ثورة أون لاين -أمين محمد حطيط
يتوقف المتابع ملياً عند قرارين أملتهما السياسة السعودية على نفسها وعلى من يتبعها من حكام الخليج الممتثلين لأوامرها بعد تصدّع مجلس التعاون الخليجي الذي تملك السعودية قراره، حيث بات موزعاً بين جزء محتل
منها «البحرين» وجزء يدور في فلكها «الامارات» وجزء ينأى بنفسه عن صراعاتها «الكويت» وجزء تعاديه ويناهضها في السياسة والسلوك «قطر».
كان القرار السعودي الأول محاولة لفرض عزلة خليجية على قطر لأنها بزعمها لم تحترم التزاماتها الأمنية والسياسية حيال «مجلس التعاون الخليجي» واستمرت برعاية تنظيم «الإخوان المسلمين» واحتضانه وتمويل عملياته التي تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في دول المجلس، وطبعاً جاء الرد القطري نافياً للمزاعم السعودية ومصوباً للتبرير والأسباب بربطها بما يجري في مصر وسورية من صراع خليجي برعاية أميركية، وما آل إليه وضع المجموعات الارهابية التي ترعاها السعودية في سورية من تناحر وتآكل فيما بينها، واندحار وهزائم أمام الجيش العربي السوري وحلفائه لم تكن آخرها «معركة الزارة» وما كان فيها من سقوط مدو للارهابيين القادمين في معظمهم من لبنان.
أما القرار الثاني فقد تمثّل في إدراج تنظيمات عدة على لائحة الارهاب السعودية، وحظر عملها ومنع تقديم الدعم المالي لها، حتى حظر مجرد الدعاء لها في المساجد الى حد يمكن تأويله بأن القرار حرم حتى التأييد القلبي أو القبول الضمني بهذه التنظيمات التي تنقسم إلى فئات ثلاث:
– فئة كانت السعودية تلاحقها منذ نشأتها ولم تكن يوماً في موقع المتحالف أو الصديق أو حتى المحايد منها وهي ليست على المذهب الوهابي مطلقاً «تنظيم أنصار الله الحوثي في اليمن، وتنظيم حزب الله السعودي في المنطقة الشرقية من المملكة ذاتها».
– وفئة نشأت ومُوّلت وعملت تحت الرعاية السعودية واعتنقت الفكر والمذهب الوهابي التكفيري وعملت للأهداف التي تريدها السعودية وفقاً لما أملته عليها أمريكا التي أوجدت تنظيم القاعدة الارهابي، واستعملته حيث تقضي احتياجاتها «بالاستعانة بالسعودية وأموالها»، وهذه الفئة هي التي تعمل اليوم بشكل خاص في العراق وسورية وبعض لبنان «تنظيم داعش، جبهة النصرة».
– أما الفئة الثالثة فهي الفئة التي شهد تاريخها الممتد الى عقود ثمانية نوعاً من التوءمة بينها وبين الوهابية، والتي كانت الحليف الاستراتيجي والميداني لها في جميع مراحل الحريق العربي وميادينه الممتدة من تونس الى سورية عبر ليبيا ومصر في السنوات الثلاث الماضية.
ومع هذين القرارين يتساءل المتابع عن الأسباب التي حدت بالسعودية لاتخاذهما وعن دلالاتهما في هذه الحقبة بالذات التي وصل فيها الصراع الدولي في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم الى مرحلة متقدمة وشديدة الحساسية.
وتلمساً للاجابة نرى أن نبدأ بمصر التي سارعت السعودية الى إغداق المال على الجهة التي تولت الحكم فيها بعد ان تم اسقاط حكم «الاخوان المسلمين»، مؤملة امتلاك قرارها لتكون – مصر – بديلا للعراق الخارج من القبضة السعودية الى الحد الذي بات يتهمها مع قطر بأنهما أعلنتا الحرب عليه وأنهما تصدّران إليه الارهابيين وتنفقان أموالهما فيه لزعزعة الامن والاستقرار والفتك بوحدته كله دفعاً لإقامة الدويلات الطائفية والعرقية والمذهبية وفقا لما تشتهي «اسرائيل» التي لا همّ لها اليوم إلا اعلان يهودية الدولة والاستحصال عل اعتراف العالم وفي طليعتهم الفلسطينيون والعرب بأن «اسرائيل دولة للشعب اليهودي».
لكن السعودية التي تتابع ما يجري في مصر، والتي تطلع على ما يكتب من تقارير غربية حول مسار الامور المصرية مستقبلا باتت – كما يبدو – تدرك أن حكم المشير عبد الفتاح السيسي القادم بخطا ثابتة وفقا لما بات يقيناً عند الجهات المعنية والمتابعة، أن هذا الحكم يمكن ان يكون صديقا او منسقا مع السعودية، لكنه لا يمكن أن يكون تابعاً ومسيّراً من قبلها، وانه لن يدع مصر جرماً يدور في الفلك السعودي، بل سيكون له سياسته المصرية الخاصة به التي قد تتقاطع وتتوافق مع السعودية وقد تتعارض معها، ما يعني أن السعودية لن ترى مصر كما تريد ولن تكون مصر تعويضا عنها وبالحجم الذي تتوخاه عما خسرته ويرجح ان تخسره في المشرق العربي..
ثم إنها تقلق على هذا القدر المتواضع من التعويض المصري وتراه مهدداً بالضياع أيضا بفعل سياسة قطر التي تستمر عبر إعلامها، وأموالها بالتحريض على الحكم المصري القائم، حيث تسعى لإعادة تنظيم الاخوان المسلمين الى السلطة من أجل أن تكون مصر جزءاً من فضائها الاستراتيجي الحيوي الذي تحلم به، ولهذا رصدت الـ 1.5 مليار دولار لانشاء «الجيش المصري الحر» على غرار ما أنشأته في سورية مع بدء العدوان عليها، و أنها تستمر في وصف الحكم القائم بـ «الانقلاب»، ولهذا كانت حرب السعودية على قطر وعلى الاخوان المسلمين الذين أضحوا ارهابيين بالتصنيف السعودي بعد طول تحالف وتنسيق معهم.
إذاً، إنه الصراع على مصر بين قطر والسعودية، كان السبب الرئيسي لانفجار العلاقة بينهما، وما قد يؤدي الى انفجار مجلس التعاون الخليجي كله وينسحب بآثاره بشكل أو بآخر على «جامعة النعاج العربية» – وفقا للتوصيف القطري – تلك الجامعة التي ستنعقد في قمتها في الكويت التي تخشى أن يكون الانفجار العربي في القمة على أراضيها وتتضرر بشيء من شظاياه، وهنا من المفيد أن نذكر بأنه صراع على جلد الدب قبل اصطياده، دون أن يعلم المتناحرون بأن مصر أكبر من أن تدخل في الجيب القطري، وأهم من أن تكون حديقة خلفية للحاكم السعودي، وخاصة إذا قيض لها من يكون وفياً لتاريخها وحريصاً على مستقبلها ومستقبل الأمة.
أما على الاتجاه السوري فقد يكون الأمر مختلفاً بعض الشيء، حيث إن قطر أدركت فشلها وإخفاقها، وتجرّعت كأس هزيمتها مع طرد «حَمديها» بقرار أميركي وسحب الملف منها لتستأثر به السعودية التي بدأت تدرك أيضاً أنها دخلت في طريق الهزيمة وأنها تسير بخطا ثابتة إليها وأن رأس بندر لن يكون هو الأخير الذي يسقط في مسيرة العدوان على سورية.
وبالتالي لا يبدو أن السعودية تخشى من دور لقَطَر في سورية، كما أنها باتت في أعماقها لا تؤمل هي بذاتها من ربح في سورية بعد أن تسارعت الأحداث على ساحتها وتهاوت الأحلام الغربية على الصعد السياسية والميدانية معاً، وبعد أن بات المشهد ينبئ يقيناً بأن سورية وحلفاءها خطُّوا بدماء شهدائهم وإرادة قادتهم وصبر شعوبهم خطّوا المقدمات لانتصار استراتيجي أكيد سينسحب بمفاعليه على العالم كله، ولن تكون السعودية بمنأى عن تلك المفاعيل في وجهها السلبي على المعتدين الذين تشكل السعودية اليوم رأس الحربة فيهم.
وبالتالي فإن السعودية التي خسرت في فضائها الاستراتيجي الحيوي الذي ضمر لينحسر الى حدودها مع بعض إمارات الخليج باتت تخشى على أمنها ذاته، خطراً تتصوره من الاتجاه السوري حيث تخشى من 40 ألف إرهابي ينضوون تحت عناوين «داعش» و«جبهة النصرة»، وهي تخشى من اضطرار بعض هؤلاء – وسيكونون بالآلاف – الى ترك الميدان السوري هرباً من قبضة الجيش العربي السوري وحلفائه، واللجوء الى دول الخليج وفي طليعتها السعودية والتقاء هؤلاء في فعلهم مع عمل آخرين يناهضون الحكم السعودي الوهابي في الحجاز وهنا توضع المملكة بين نيران أربع: نار أنصار الله الحوثيين من الجنوب عبر اليمن، ونار حزب الله السعودي من الشرق انطلاقاً من القطيف وجوارها، ونار داعش من الشمال عبر العراق، ونار جبهة النصرة من الشمال الغربي عبر الأردن آتياً من سورية…
إنها النيران الأربع التي باتت تؤرق حكام السعودية، وهي الهواجس التي حملتها على اتخاذ التدابير الاحترازية والوقائية لمنع وقوعها، ومن أجل ذلك كان «قرار محاربة الارهاب»، القرار الذي لا يمت بصلة الى يقظة ضمير أو تراجع عن الحرب- العدوان على سورية، لأن السعودية مستمرة في هذا العدوان حتى تتلقى إشعاراً آخر من أميركا، إذ لو كانت السعودية تريد وقف العدوان أو محاربة الارهاب لكانت ضمت الى لائحتها ما يسمى «الجبهة الاسلامية» وهي المنظومة التي شكلها بندر قبل عزله لتكون جيش السعودية الارهابي الذي يقتل السوريين ويدمر ممتلكاتهم… وبالتالي بعد أن انحسر فضاؤها الحيوي الاستراتيجي في المنطقة، هاهي السعودية باتت شديدة القلق على أمنها واستقرارها، فهل ستشرب من الكأس الذي سقت منه سورية والآخرين وسمي «ربيعاً عربياً»؟ وكان حريقاً لم يبق ولم يذر؟