الثورة – هفاف ميهوب:
لابدّ لكلّ من يتابع مايحصل في العالم، ويرى مقدار ماتحوّل الإنسان إلى سلعة في سوق الهيمنة الاقتصادية، ومقدار مابات يقلقه شعوره بالعزلة والوحدة وفقدان، مايُفترض أنه دليل أنسنته المفكّرة والواعية.. لابدّ لكل من يتابع ذلك ويراه، من أن يتساءل:
ماذا بعد؟!. هل من الممكن أن يكون التفاؤل مجدياً، في زمنٍ توشك الرأسمالية فيه على الانتحار، مهدّدة بأخذنا معها؟!! وهل سيكون ما بعدها يوتوبيا اشتراكية عظيمة، أم بداية عصرٍ مظلمٍ جديد؟!.
إنها الأسئلة التي أطلقها الأديب والكاتب الصحفي الانكليزي “بيتر فليمنغ” بعد أن رأى الانحطاط الذي يعيشه العالم، بسبب هيمنة الرأسمالية التي لم يتوقف الغرب عن التغني بمؤسساتها ونيوليبراليّتها، إلا بعد أن شهدَ مقدار ماعزّرت من فردانية الإنسان وقلقه وعزلته، بل ويأسه من مستقبلٍ، لم يعد يرى فيه سوى المزيد من الاستعباد والانقياد، للتكنولوجيا وشرور برمجتها..
أطلق “فليمنغ” هذه الأسئلة ضمن كتاب، رأى فيه بأن “الأسوأ لم يأت بعد”.. الأسوأ الذي ينتظرنا مستقبلاً، والذي علينا الاستعداد لمواجهة قتامته، لأنه وحسب قوله: “هو وضعٌ أقبح بكثير، يلعب فيه البشر أدواراً بارزة، فإذا كانت الروبوتات تجسيداً لعلاقات القوة البشرية، فسبب ضياعنا لن يكون بسبب استعباد الذكاء الاصطناعي للبشر، وإنما بسبب تخليد الحاضر المنهك في تنويعة مستقبليّة أسوأ.. “..
نبّه إلى ذلك، وحذّر من النتائج الكارثية التي رأى بأن أكثر من علم بخطورتها:
“المدراء التنفيذيون الأثرياء، الذين تجهزوا لها بشراء المنتجعات والملاجئ المعزولة والآمنة في نيوزيلندا.. أيضاً، السياسيون الذين تجهّزوا بدورهم، بتحويل الدول إلى آلات حرب مستعدة للعمل.. أما العلماء، فهم إما يصرخون بخطورة الكارثة البيئية المقبلة، أو ينتهزون الفرصة لإجراء تجارب جينية متهوّرة..”..
باختصار: الكتاب إدانة للحضارة السلعية التي نعيشها اليوم، وتحذير من العفن الذي يزداد تراكمه فيها، بدءا بالنيوليبرالية، مروراً بالمدراء التنفيذيين الجشعين، وأزمة الأمن الغذائي والاحتباس الحراري، وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي والروبوتات ووسائل التواصل، التي تعمل لصالح رأس المال المشبوه ومؤسساته العنصرية الداعمة للحقد والكراهية.. الوسائل التي كان يفترض، وعلى رأي “فليمنغ”:
“كان يُفترض على وسائل التواصل الاجتماعي، أن تحرّرنا من هيمنة الشركات على الشبكة العنكبوتية، بدل من أن تحوّلنا إلى وكلاء يتمّ التلاعب بهم، حيث يبدو الواقع الافتراضي زائفاً مساوماً، يظهر هذا بوضوح في الفيس بوك، وواتس ـ آب، ومواقع البريد العشوائي.. صارت الفيروسية عدوّة للناس”.