ريم صالح:
الرقة والباغوز وسد الفرات وعين العرب.. حيث الأشلاء والدماء والدمار والركام، وحيث روايات مؤلمة، وقصص وحشية تبدأ وتكاد لا تنتهي، يرويها أشخاص حالفهم الحظ، وقدر لهم أن ينجوا من بطش الأمريكي، وهمجية تحالفه الاستعراضي المتعمدة، وقصفه الجائر العشوائي، وأسلحته الفوسفورية المحرمة دولياً، ليكونوا شواهد العصر على هول ما ارتكبه عراب الإرهاب الأمريكي، ومن معه من أنظمة استعمارية غربية، دون أن ترمش لهم عين، أو يوخزهم ضمير، جراء ما اقترفوه من جرائم بحق المدنيين السوريين، وتحديداً أطفالهم، ورضعهم، جرائم أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية والبشرية، وضد كل الأعراف الأخلاقية.
اللافت هنا هو أنه رغم أن الحقائق والأرقام تفضح الأمريكي، وتكشفه للعالم بأسره، بأنه مجرم حرب، وبأنه قاتل للطفولة، والإنسانية، وللحياة، وأنه أينما حل واحتل ارتكب جرائم وحشية بحق السوريين، إذ قتل قاصداً متعمداً آلاف المدنيين منهم، بقصفه الصاروخي العشوائي، وقذائفه المدفعية الدموية، إلا أنه حتى اللحظة يصر على أنه لم يقتل سوى 159 مدنياً، أي نحو 10% من إجمالي عدد القتلى الحقيقي، منكراً بذلك مسؤوليته عما جرى هناك، رغم أن كل البيانات، والأرقام، وصور الأقمار الصناعية المرعبة التي تدينه، وتعريه، وتفضح مجازره على الأراضي السورية تعري أكاذيبه.
لكن على من يكذب الأمريكي، وعملياته العدوانية، وتحالفه غير الشرعي على الرقة في الفترة ما بين حزيران وتشرين الأول عام 2017 أدت إلى تدمير هذه المدينة بشكل كامل، كما أدت إلى إبادة آلاف المدنيين من سكانها الذين دفنوا تحت الأنقاض.
ثم لماذا كل هذا الإصرار الأمريكي على الإنكار والتعتيم، مع أنه لا طائل منها، لاسيما أن البيانات والأرقام التي توصلت إليها منظمات غير حكومية، ومنها منظمة العفو الدولية، ومنظمة أيروورز، والتي وردت في تقارير منشورة، حسمت الموقف، وعرت الجزار الأمريكي، وأكدت أن العدد الحقيقي للضحايا المدنيين بسبب عمليات قوات “التحالف الدولي” اللا شرعي في الرقة، هو أضعاف ما يدعيه البنتاغون، دون أن ننسى أن نذكر هنا ما سبق واعترفت به ميليشيات “قسد” التابعة لجيش الاحتلال الأمريكي، من حيث تدري أو لا تدري، بأنها انتشلت 4118 قتيلاَ من المدنيين في الرقة أثناء العملية العدوانية؟.
لماذا هذا الإنكار، وعمليات القصف الأمريكية في مدينة الرقة، بحسب مواقع عديدة افتقدت إلى الدقة، كما اتسمت بالعشوائية، وأدت إلى مقتل آلاف المدنيين، حيث لم يترك القصف حياً من الأحياء إلا وأتى عليه، إلا أن التحالف الأمريكي اللا شرعي اعترف بمسؤوليته عن قتل 159 مدنياً فقط أي نحو 10% من إجمالي عدد القتلى الحقيقي؟.
المثير للاشمئزاز هنا هو أن أحد المسؤولين العسكريين الأمريكيين تفاخر بأن قوات بلاده قد أطلقت قرابة 30000 قذيفة مدفع على المدنيين في الرقة، أي ما يعادل قذيفة كل ست دقائق على مدار أربعة أشهر متتالية، علماَ أن هذا العدد يفوق أعداد قذائف المدفعية التي استخدمت في أي نزاع مسلح منذ حرب فيتنام.
ووفق صور الأقمار الصناعية، وتبعاً لمعهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث، فقد تعرض ما يقرب من 11000 مبنى في الرقة للدمار التام، بين شباط وتشرين الأول من العام 2017، أي بما يعادل تدمير 40 مبنى يومياً، ويشمل على سبيل الذكر لا الحصر، ثماني مستشفيات، و29 مسجداً، وأكثر من 40 مدرسة، وخمس جامعات، دون أن ننسى أنه تم تدمير أنظمة الري والمياه في المدينة كلها.
ولعل السؤال الأهم.. لماذا ينكر الأمريكي جرائمه التي ارتكبها في الرقة، مع أنها تكررت أيضاً في قرية الباغوز بريف دير الزور في العامين 2018و2019 ، حيث جرى تدمير البلدة بشكل كامل في جريمة حرب موصوفة؟، وكيف له أن يغطي على مجزرته التي ارتكبتها طائرات تحالفه غير الشرعي بتاريخ 18آذار عام 2019 ضد قافلة من سكان هذه القرية الذين كانوا يحاولون النجاة بأرواحهم، والذين بلغ عددهم آنذاك أكثر من 80شخصاً، حين ألقت طائرات حربية من طراز أف 15 قنبلتين بلغ وزن الأولى 225كغ، والثانية 907كغ، ما أدى إلى إبادة القافلة بمن فيها من نساء وأطفال؟!.
إذاً تقارير المؤسسات الرسمية الأمريكية عما جرى في الرقة، كانت وستبقى كاذبة في تناولها لحجم الكارثة، ولاسيما أن هذه البيانات تم تجميعها وتحليلها من مصادر أمريكية حكومية تقدم وجهة نظر وزارة الحرب الأمريكية المسؤولة أصلاً عما شهدته الرقة والباغوز وسد الفرات وغيرها من المناطق السورية من جرائم العدوان والتدمير والاستهداف.
كما أن المؤكد لنا أيضاً أن البنتاغون لطالما لجأ إلى التلاعب بأرقام الضحايا الحقيقي، إلى جانب التدليس، والتضليل، في معرض توصيفه القانوني لأفعاله وانتهاكاته المرتكبة هناك، من قبل ما يسمى “التحالف الدولي”، والميليشيات الانفصالية التابعة له.