الثورة – أديب مخزوم:
ورشة رسم جديدة للأطفال أقامتها الفنانة التشكيلية جوليا سعيد، في المركز الثقافي العربي بأبو رمانة، وشكلت حلقة جديدة في سلسلة ورشات رسم للأطفال باستخدام تقنية الرسم بتراب الوطن، أقامتها في عدة مدن وأمكنة، وأستقطبت مزيداً من الأطفال الراغبين في الانضمام إلى هذه الورشات الخاصة بها وحدها، حيث يعود لها الفضل في إطلاقها والتعريف بها وتكريسها ومواجهة مشكلة ارتفاع أسعار الألوان المستوردة إلى حدود أصبح معها أهالي الأطفال غير قادرين على توفيرها، ومن هنا تأتي أهمية هذه الورشات التي تهدف إلى تذليل الصعاب ومواجهة الأزمة الاقتصادية، ومواصلة تشجيع الأطفال وحضهم على الرسم باستخدام ألوان التراب، في خطوات إبراز مظاهر الدمج ما بين العناصر والرموز، بصياغة تعبيرية ورمزية مختزلة. هكذا يخوضون غمار هذه التجارب التي تثمر في كل مرة معارض طفولية تبشر بمستقبل واعد ومشرق وزاهر للعديد من الأطفال.
ومن الناحية الفنية نجد الحركات اللونية الترابية تتدرج في العديد من الرسومات بعفوية وتلقائية، وتصل في احتمالاتها الرمزية والدلالية والتعبيرية، إلى صياغة تكشف في جوهرها عن الحركة الداخلية الانفعالية، رغم مظاهر العقلنة الناتجة عن إعادة توازن وتوزيع المساحات اللونية والحركات الخطية.
ونشعر باهتمام الأطفال بإضاءة أماكن متفرقة من لوحاتهم، مستفيدين من حركة التضاد بين الألوان المعتمة والمضيئة، وهذه التقنية أوالطريقة التعبيرية تبعدهم بشكل غير مقصود مسافات عن المقاييس الجمالية التقليدية، وعن الأطر الهندسية، وترتد بهم بالتعبير نحو الداخل بحيث نجد اللوحة مشحونة بالحركة، التي تتجه من الداخل إلى الخارج أو العكس مرة أخرى.
ويزداد هذا الشعور عندما نعلم أن معظم الأطفال غالباً ما يقدمون الزهور والشخوص والطبيعة وغيرها، بروح تعبيرية تلقائية، تظهر خلالها الحركات اللونية العفوية. كما يظهر الاختصار والتبسيط، بطريقة تعبيرية.
وجوليا سعيد تتعامل مع الأطفال بلغتهم حيث تدمج اللعب بالفرح وبالحلم، وتظهر مرونة رموزها التعبيرية التلقائية التي تحكي من خلالها حكايتها مع الأطفال كما تستعير أبجديات تشكيلية حديثة مثل الخطوط الارتجالية السريعة، فالطفل هو المستقبل ورسوماته تساهم إلى حد بعيد في بناء شخصية الطفل ونموه وديناميكيته.
ومعارض البراعم تشكل فسحة الأمل الأكثر نقاءً في عالم الأطفال الذين قصرنا تجاههم كثيراً في الماضي، ومثل هذه المعارض والورشات، تعوض ما فاتهم، لا سيما حين تكون بعيدة عن هيمنة المؤسسات التربوية المدرسية (الراكدة) والاستعانة الآلية بالمناهج الأصولية الجامدة وهيمنة تأثير رسوم الكبار التي تسجل نوعاً من الأسر لمخيلة الأطفال ومواهبهم الخفية التي تركت أثراً واضحاً على بعض تأثيرات فنون القرن العشرين، ما يؤكد مدى الصدق والعفوية والتلقائية التي تزخر بها رسومات الأطفال في مرحلتهم التعبيرية الأولى.
ولا شك في أن الكلام إذا كثر في الرسم يخفف من قدرة العين على اعتماد الصورة كعلاقة أساسية ورئيسة، فهم وكما أشرنا يستخدمون في رسوماتهم أسلوب الاختصار والتبسيط ويقدمون إيقاعات شكلية ولونية شاعرية تشكل للأطفال استراحات لا بد منها في أجواء التعب والملل والرتابة، أنها صياغات فنية وجدانية زاخرة بالحنين والغنائية الإنسانية الطفولية. وثمة تلاقٍ هنا بين المنهج الإيضاحي المعبر عن حكاية طفولية وتصالحاً مع الصياغة الحديثة بعيداً عن هاجس التصوير الواقعي الدقيق.
التالي