الثورة – فؤاد مسعد:
بين الطقس الفلكلوري والحكاية المُتخيلة والوثيقة التاريخية تضيع هوية دراما البيئة الشامية (مع التحفظ على مصطلح “دراما البيئة الشامية”) لتأتي في صورتها العامة دراما غلب عليها حالة الاستعراض، تتناول حكايات افتراضية نسجت وفق هوى المحطات بين ما يريدون ترسيخه وإلصاقه في بيئة تحمل الكثير من التنوع وبين ما يجتزئونه منها ليأتي ضمن سياق واحد متشابه وكأنه مستنسخات شكلاً ومضموناَ مع تغيير بأسماء الشخصيات، وإن استثنينا القلة القليلة منها لوجدنا أننا وقعنا في مستنقع بات من الصعب الخروج منه خاصة ضمن أعمال امتلكت عناصر الجذب والقدرة على محاكاة شرائح مختلفة من الجمهور من خلال أجواء تصوير مرغوب بمتابعتها كطقس مًحبب للمُشاهدة واستجرار عاطفي يغزل على عاطفة الجمهور، ودائماً كل صانع عمل يشد اللحاف صوبه فهو الأصدق والأكثر ولوجاً إلى عمق بيئة ربما لا يعرف عن تفاصيلها الحقيقية شيئاً.
ضمن ذلك كله تبرز مسألة غاية في الأهمية تتمحور حول غياب الوثيقة إلى حد بعيد عن هذه الأعمال، ولدى محاولة رصد أعمال اعتمدت الوثيقة فيما طرحت أول ما يتبادر إلى الذهن مسلسل (حمام قيشاني) بأجزائه المتعددة إضافة إلى بعض الأعمال الأخرى.. والسؤال الذي توجهنا به إلى كتّاب مبدعين قدموا أعمالاً ضمن هذا الحقل: ما سبب تجنب الغالبية العظمى من المنتجين الاستعانة بالوثيقة واللجوء إلى التوثيق الحقيقي عبر ما يقدمون من أعمال درامية تدور ضمن إطار البيئة الشامية رغم أن الاعتماد عليها يمنح هذه الأعمال المزيد من المصداقية والثقة لدى الجمهور ؟..
ـ بين الرقيب والجمهور:
الكاتب أسامة كوكش الذي يُعرض له حالياً الجزء الثاني من مسلسل (حارة القبة) إخراج رشا شربتجي، سبق أن قال في أحد لقاءاته (نحن بحاجة إلى دخول الوثيقة على عمل البيئة الشامية ليأخذ مصداقية) فإلى أي مدى سعى إلى تحقيق ذلك عبر ما يقدم؟ ولماذا عادة ما يتجنب المنتجون هذا الأمر؟.. يجيب قائلاً:
من غير الممكن الدخول إلى الوثيقة خلال السنوات الحالية، لأن التاريخ لا يُرضي أحداً فما بالك بتاريخ شبه معاصر، وقد يكون هناك أناس موجودون بيننا ممّن عاشوا تلك المرحلة، وبالتالي الدخول إلى الوثيقة إشكالي وليس هناك من يستطيع التصدي لهذا الأمر اليوم، فالمنتج يحب العمل الإشكالي إن كان يحقق له مبيعات لكن دون المساس بالمحرمات التي قد تضعه أمام القضاء (على سبيل المثال) لذلك يفضل التوجه نحو المحرمات الاجتماعية التي تحقق (تريند) دون أن يكون لها تبعات أخرى، والوثيقة وجهة نظر لأنه ليس هناك حقيقة مطلقة وإنما هي حقيقة عيانية تحتمل أكثر من تفسير لذلك الدخول إلى الوثيقة بحاجة إلى تقبل من الآخر، بمعنى أن شخصية تاريخية مشهود لها قد أراها إشكالية وهناك جوانب مظلمة في حياتها ضمن الإطار العام وأحببت الإضاءة عليها وهذا لا يرضي أحداً ، لأننا نعشق التابو ولا نقبل أن يمس به أحد.
ـ إنتاج جماهيري:
الأمر ذاته يؤكده الكاتب مروان قاووق مشيراً إلى ابتعاد المنتجين والكتاب والمخرجين عن التوثيق ضمن أعمال البيئة الشامية وسعيهم إلى حصرها ضمن إطار الحكايات، يقول: إن حاولنا المقارنة بين كل ما قُدم من أعمال شامية وبين مسلسل (حمام القيشاني) سنجد الفرق كبيراً جداً، وهو المسلسل الذي قام التلفزيون السوري مشكوراً بإنتاجه عبر أجزائه الخمسة وجاء عملاً مهماً ويعتبر أفضل مسلسل درامي قام بالتوثيق، وله جماهيرية غالبيتها من المثقفين، ولكن ما الذي يهم المشاهد العربي من هذا التوثيق؟.. فما يهمه مٌشاهدة حكاية للتسلية قد تحوي رسالة أو موعظة تدعو للخير، فأكثر الشركات الإنتاجية تريد أن تبيع عملها إلى الخارج ، وبالتالي إن قدمنا في المسلسل توثيقاً إلى حد 50% سيكون وثائقياً أكثر منه درامياً الأمر الذي ترفضه الشركات الخاصة لأنها تريد تسويقه وبيعه وألا تضعه على الرفوف، فأرى أن السبب إنتاجي بحت.
ـ الحكاية أولاً:
للكاتب أحمد حامد رأي آخر حيث يؤكد أن الأمر لا يرتبط بالتسويق وإنما بميول ورغبة المؤلف في تناول الموضوع والحكاية، يقول: تهمني الحكاية التي تشدني وتجذب المشاهد إن كان فيها شخصيات توثيقية قريبة أو بعيدة أو تاريخية. وأقدم أحياناً حكاية لا تحتاج إلى شخصيات تاريخية، فعلى سبيل المثال في مسلسل “أهل الراية” هناك قصة لطيفة أحبها الناس، وإن احتاج الأمر إلى التوثيق فليس من الصعب أبداً أن تؤرخ أو توثق، ففي مسلسل “شام شريف” وثقنا وأرّخنا، والأمر ذاته في مسلسل “تمر حنة” وحكينا في “ليالي الصالحية” عن وجود مسرح أبي خليل القباني، حتى في “الخوالي” كان التوثيق خلفية عبر تقديم موكب الحج، وبالتالي فالأمر يعود لطبيعة الموضوع المطروح، وقد كتبت مسلسل “جمال باشا السفاح” الذي لم يُنفذ بعد واحكي فيه عن شخصية تاريخية موجودة والحكاية عنه وعن جاسوسة تدعى سارة، وهناك عمل عن يوسف العظمة وحسن الخراط، عمل لم يًنفذ بعد.