إفتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير أحمد حمادة:
كتبنا أبجدية النصر بحبر دمائهم، نتباهى بأسمائهم كلما تنفس صبحنا، نخلدها في سجلات الخالدين، نضعها أوسمة على صدر المدارس والمشافي والشوارع والجامعات، لتظل في أعين أجيالنا شعلة النور التي تضيء لهم دروب الأمل والمستقبل الواعد بكل جميل.
لم يبق تلميذ واحد في مدارسنا إلا وحُفرت في ذاكرته تلك الأسماء العظيمة كعبد الغني العريسي، وعارف الشهابي، وسيف الدين الخطيب، وشفيق العظم، وعبد الحميد الزهراوي، وعمر الجزائري، وشكري العسلي، وقائمة الشرف تطول، لأنها سلسلة ستمتد لاحقاً لتضم شهداء “ميسلون” والقنيطرة والجولان وكل ذرة تراب طاهر من الجزيرة إلى فلسطين.
في السادس من أيار 1916 صان الأبرار ترابنا الوطني من رجس المحتل وسياسة “التتريك” البغيض، وكانوا أشجع من جلادهم جمال باشا السفاح وحكامه العثمانيين، فحققوا للأحفاد المستقبل الآمن، وتركوا خلفهم دروساً عظيمة في الصمود والعطاء، فخلدهم شعبنا الأبيّ، وجعلهم رموزه العظيمة.
ولهذا اليوم الأغر معانٍ أكبر من أي وصف في نفوسنا، لأنها تذكّر شعبنا أيضاً بكل تضحياته العظيمة التي قدمها بوجه المحتل الفرنسي، تذكّره بمن رفضوا أداء التحية للعلم الفرنسي وكل رموزه وجنوده، بمن حققوا مسيرة الجلاء بكل معانيها الشامخة وأبعادها التحررية، بمن ضحوا بالغالي والنفيس بوجه كذبة “الانتداب” أمثال سلطان باشا الأطرش وإبراهيم هنانو وصالح العلي وأحمد مريود ومحمد الأشمر، وغيرهم الكثير، ممن ساروا على درب يوسف العظمة وخطا ميسلون.
تذكّره بتضحياته في مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر منذ عقود، وبقوافل الشهداء الأبرار خلال العقد الأخير من مقارعة المحتلين ومرتزقتهم وإرهابييهم، الذين جاؤوا لرسم خرائط التفتيت والتقسيم وسرقة الموارد فخابوا حين قدم شهداؤنا أرواحهم رخيصة وهم يدافعون عن ترابهم وأهلهم.
بحبر دمائهم الزكية كتبنا أبجدية النصر بوجه الإرهاب الصهيوني، وببطولاتهم سطرنا ملحمة تشرين ضد هذا المحتل الغاصب، وحررنا ربا القنيطرة الجميلة، ورفعنا علمنا في سمائها، وها نحن ندحر الإرهاب منذ عقد ونيف، ونستمر بنسج أثواب تلك الملحمة الخالدة مطلع كل فجر، كي ينعم أطفالنا بغد آمن، ويعيش أحفادنا حياة حرة.
اليوم نطلق قذائف مدفعيتنا تحية لأرواحهم، نعزف بموسيقانا لحنهم، نقيم الاحتفالات المهيبة للتذكير بتضحياتهم، نحترمهم، نجلّهم، ونجلّ جيشنا الباسل، فهو الذي يسطر يومياً بدماء جنوده وصفّ ضباطه وضباطه أروع صور البطولة والفداء، ويقدم المثل الأعلى للعنفوان والشموخ والولاء للوطن، كي ننعم بالأمن والطمأنينة والحياة الكريمة.
تتزيّن مدننا وقرانا ومزارعنا وسماء سوريتنا بطيف أرواحهم، فتجفُّ أقلامنا ويعجز حبرها عن وصف المشهد، أو رسم ملامح العطاء الكبير الذي قدموه، وهم يواجهون بإرادتهم وعزيمتهم كل معتدٍ وغازٍ ومحتلٍّ.. ولهذا وذاك جعلناهم أوسمتنا الخالدة على صدر مدارسنا وجامعاتنا وشواهدنا التاريخية.