” عالم متغيّر.. “

 

أذكر أنني مع بداية الجائحة كتبت مقالاً بعنوان (الفيروس الذي سيغيّر العالم)، وها هو العالم قد تغيّر بالفعل، فقد وجد الموظفون انفراجاً هائلاً في مساحات أعمالهم بعد أن تقلصت لتصبح داخل منازلهم عبر شبكة المعلومات، وفي غرف جلوسهم، أو نومهم ربما.. هذه الانفراجة وفرت فسحة من الوقت لكل أحد يستغلها على هواه، وكأنه سجين فرَّ من سجن أوقات الدوام الرسمية ليجد نفسه حراً طليقاً يتمتع بأوقات إضافية لم تكن يوماً ضمن حساباته، ولا من بين أحلامه لأنها أحلام مستحيلة في ظل ارتباط المرء بعمله الذي يستنزف أغلب يومه.. فكيف إذن سيطلب العالم من جديد من موظفيه أن يعودوا وراء مكاتبهم ليعود بالتالي إيقاع الحياة إلى ما كان عليه قبل الظروف الطارئة، وبعد أن هدأت ثورة الجائحة؟.

أمر بات فيه أكثر من مجرد إعادة النظر لأن التوقعات من أصحاب الشركات، ومن الحكومات تقول إنه من شبه المستحيل أن ينسى الناس واقعاً قُذفوا فيه فجأة دون سابق إنذار عندما طُلب إليهم أن يعملوا من بيوتهم فاستساغوه، وأحبوه، ووجدوا فيه فرصة ليجمعوا أكثر من عمل واحد يعود عليهم بالنفع والمال بآنٍ معاً، ومع ذلك ما يزال لديهم من الوقت ما يكفي للاستمتاع بالحياة الشخصية كلٌ كما يحب، ويشتهي.

قضايا جديدة أصبحت تثار في أروقة مكاتب العمل، وتظهر انعكاساتها مع العودة التدريجية للموظفين إلى مقار أعمالهم في أغلب البلدان.. وبعض الجهات ترى أن العودة الكاملة للموظف وراء مكتبه أصبحت من ماضٍ لن يعود، والرغبة في العمل عن بعد لدى الغالبية تعزز هذه الفكرة، بل وتدعمها على أرض الواقع عندما يقع التمرد، ويصبح العمل من المنزل، وعن بعد من المطالب التي ينادي بها أغلب من خاض التجربة، وكان سعيداً بها، وقد استجابت بعض الشركات بالفعل لهذه المطالبات عندما وجدت أن موظفيها فقدوا مرونة العمل وفق النمط القديم، ولم يعودوا قادرين على أن يتأقلموا من جديد مع واقعٍ كان سائداً، ومستقراً إلى حد كبير، وأصبحوا يبحثون عن أنماط جديدة منها ما هي هجينة تجمع ما بين العمل عن البعد لجزء من المهام الوظيفية، والعمل من داخل المكاتب لجزء آخر منها.

كذلك هو الحال مع التعليم الذي بات يتجاوز الأساليب التقليدية تحت ضغط الأوضاع الصحية الطارئة فأصبح يُبث عبر شبكة المعلومات، والامتحانات تجرى من وراء شاشة في واحدة من غرف المنزل دون الحاجة لفصول دراسية يكتظ بعضها بكثافة طلابية كبيرة، وليكون الانتقال سريعاً إلى تعليم حديث يستفيد مما حققته التقنيات الحديثة، ولو أن ردود الأفعال نحوه من قبل الطلاب، وأهاليهم تتباين بين رفض، أو قبول.

إلا أن الحياة لا تكتمل بالبقاء ضمن جدران أربعة فتجاربها تسحبنا نحوها قبل أن تأتي إلينا، وحق الإنسان في الحياة يستدعي خروجه إليها حقيقة لا افتراضياً.. ومستقبلاً سيضاف لاشك لبنود حقوق الإنسان بند حمايته من سطوة عالم الافتراض، خاصة وأن مساحته باتت تتمدد حتى وصلت إلى حدود (الميتافيرس)، أو حدود اللامقعول، وهو يحاصر الناس داخل الغرف المغلقة، وكأنه يصادر حرياتهم في الحركة، والتجول، ويؤثر في قراراتهم، وميولهم الشخصية، وأمزجتهم.

وعلى افتراض أن الموظفين عادوا إلى مقار وظائفهم، والطلاب عادوا إلى صفوف الدراسة كالمعتاد قبل دخول هذه الأساليب الجديدة، والنظم الحديثة للعمل والدراسة، فهل يا ترى سينتظم الأمر كما سابق عهده وكأن شيئاً لم يحدث، خاصة بعد موجة فقدان الوظائف بسبب الجائحة، أم أن مياه جديدة ستصب في النهر الذي أوشك أن يجف ماؤه؟.. يبقى الأمر مرهوناً بمستقبل العمل، والتعليم، وتطور نظم الرقمية، وإمكاناتها التي لم تعد تصطدم بأي حدود، وإذا ما ظهر إلى الوجود وباء آخر جديد يتجاوز سابقه.. أم أن أصحاب الشركات سيعمدون إلى إغراءات مالية من حيث زيادة الرواتب، والأجور تعيد إليهم موظفيهم بالشكل الذي يرغبون به؟.

ويبقى العمل الهجين الذي يمزج بين التقليدي والآخر عن بعد مرحباً به لأنه يسمح للحياة الشخصية بهامش من الحرية ربما يدفع إلى مزيد من الإبداع، والابتكار.

فهل سيفتح العالم عيناً جديدة على واقع سيصبح مختلفاً في كل مكان، ولن يعود جديداً، ليأتي مستقبلاً بكل ما هو أكثر تطوراً منه بعد أن اتصلت أجزاؤه بعضها ببعض؟.

* * *

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة