الثورة _ فؤاد مسعد:
ترجل تاركاً وراءه محبة كبيرة من الجمهور ومن كل من عرفه عن قرب ، الأصيل المُحب الوفي السمح النبيل وصاحب كلمة الحق .. كثيرة هي الصفات التي عُرف بها وميّزته إنساناً وفناناً مبدعاً حتى في علاقاته مع الآخرين ، إنه القامة الإبداعية والفنان القدير ناصر وردياني الذي رحل عن دنيانا يوم أمس بعد أن أصيب بوعكة صحية نجم عنها مضاعفات أدت إلى الوفاة (1951 ـ 2022) ، وقد نعته كل من وزارة الثقافة ومديرية المسارح والموسيقا ونقابة الفنانين السوريين وعائلته كما نعاه جمع كبير من محبيه ومن الفنانين معبّرين عن عمق حزنهم وألمهم على رحيله .
الفقيد من مواليد مدينة حلب وهو الشقيق الأصغر للفنان الراح رياض وردياني ، عشق المسرح وأمضى فيه أجمل سنوات عمره ، حتى إن الشاعر صفوح شغالة وصفه بـ (شيخ المسرحيين الحلبية) ، وفي يوم المسرح العالمي في السابع والعشرين من شهر آذار الماضي كتب الراحل على صفحته في الفيسبوك (إلى أحبتي في يوم المسرح ، المسرح بلا حب حقيقي جسد بلا روح) ، كان فناناً مختلفاً له رؤاه ومواقفه التي عبّر عنها في أكثر من مكان إن كان فيما يتعلق في الحياة أو الفن ، ترجل عن صهوة جواده بعد سنوات مديدة من العطاء رسخ خلالها مكانته الفنية والإنسانية في قلوب محبيه ، متميزاً بآلية تعاطيه مع الشخصيات المتنوعة مقدماً كل منها بمصداقية عالية بعيداً عن التكلّف لتصل إلى الناس بسلاسة ، تارة هو الطيب الحنون وتارة أخرى الظالم القاسي وفي كل مرة كان يمتلك ناصية الإقناع والقدرة على منح الدور فيض من الإحساس العالي ، إنه من الجيل الذي عمل بجد ودأب وحفر الصخر ليصنع أعمالاً تصل إلى كل الناس .
مشوراه مع المسرح بدأ من مدينته حلب أواخر ستينيات القرن الماضي مقدماً خلال مسيرته الكثير من الإسهامات الهامة فيه ومن بينها شخصية عبد القادر في مسرحية ( المجنون يقول وداعاً) تأليف وإخراج أحمد سيف ، كما شارك في العديد من الأعمال الإذاعية ، والعديد من الأفلام السينمائية كان آخرها فيلم (دمشق حلب) إخراج باسل الخطيب ، وهو عضو نقابة الفنانين منذ عام 1987 ، أما في التلفزيون فسجل انطلاقته الأولى فيه عبر تمثيلية بعنوان (العاشق) تبعتها مشاركته عام 1994 في ثلاث مسلسلات (نهاية رجل شجاع ، صهيل الألم ، المهر الدامي) وكرت فيما بعد السبحة ليتكرر ظهوره على الشاشة الصغيرة مكرساً حضوراً امتلك خصوصيته وتفرده تحت إدارة أهم المخرجين
محققاً من خلال أدواره حالة من التنوع ، فقد أدى شخصية قيس المنقري في (الجوارح) وماركوس في (العبابيد) ، الشيخ رمضان في (خان الحرير) ، سعد الجرمي في (الزير سالم) وسعد الدين كومشتكين في (صلاح الدين الأيوبي) وسليمان بن كثير في (صفر قريش) والوزير ابن العلقمي في (الظاهر بيبرس) وأبو جهل في (خالد بن الوليد) ، إضافة إلى المختار أبو سليم في (كوم الحجر) ، ومن أعماله التلفزيونية نذكر أيضاً : أخوة التراب بجزأيه ، باب الحديد ، جواد الليل ، الثريا ، عمر الخيام ، هولاكو ، التغريبة الفلسطينية ، زمن البرغوت ، دومينو ، زوال ، روزنا ، ناس من ورق ، عندما تشيخ الذئاب ، شوارع الشام العتيقة ، بروكار ، الحرملك ، فتح الأندلس .
برحيله خسرنا قامة فنية كبيرة وفناناً من الطراز الرفيع حقق عبر ما قدم من أعمال حضوراً مختلفاً وفريداً ، كان قريباً من الناس ودخل بيوتهم عبر أعمال درامية متنوعة فاستقبلوا ما قدم بحب كبير ، هو مبدع لا يتكرر ، لروحه الرحمة وليكن ذكره مؤبداً .