الثورة:
تمر هذه الأيام ذكرى رحيل الشاعر العربي الكبير إبراهيم طوقان , وهو
الذي عاش كما الورد النضر قصير العمر , ترك إرثا ابداعيا هائلا على الرغم من يفاعته في العمل الإبداعي , وتنقل بين عدة عواصم عربية , من بيروت إلى بغداد , وفي محطات حياته الكثير مما يجب أن يقال ويكتب , تقول الموسوعة الحرة عن حياته :
(ولد إبراهيم طوقان في بيئة ثقافية وفكرية جيدة، فقد نشأ في أسرة متفتحة على الحياة والعمل والمطالعة والدراسة، فجده كان يقول الشعر والزجل، وأمه كانت تقرأ على مسامعه القصص والروايات للكثير من الأدباء والكتاب مثل: قصص عنترة، أبي زيد الهلالي، سيف بن ذي يزن، وغيرهم. أما والده فقد أعده هو وأخوته للحياة إعدادا يقوم على اللباقة والحكمة ومسايرة الزمن في التطور واكتساب المعرفة.ثم أتيحت له الفرصة وهو طالب في القدس للالتقاء بالأستاذ الكبير “نخلة زريق”، الذي قرب إبراهيم طوقان لللغة العربية والشعر القديم.
في بيروت
كان لفترة إقامته في بيروت، أثناء دراسته في الجامعة الأمريكية لمدة ست سنوات، تاثير كبير على صياغة شخصيته الثقافية وصقل موهبته الإبداعية، فلقد تمكن في أثناء رحلته الدراسية وطلب العلم من إتقان عدة لغات أجنبية، كالانجليزية علاوة على لغات أخرى مثل التركية والألمانية، والإسبانية. كما أنه التقى في بيروت بنخبة من الأدباء والمفكرين مثل وجيه البارودي، وحافظ جميل، وعمر فروخ، حيث كونوا معا حلقة أدبية تحت عنوان “دار الندوة”. كان أيضًا على صلة وثيقة بالشاعر بشارة الخوري المعروف بالأخطل الصغير.
كان دائم المطالعة لكتب اللغة والأدب العربي.كتب إبراهيم طوقان الكثير من القصائد والأشعار لأهداف وأغراض معروفة ولكن غلب على شعره غرض الانتماء للوطن، الذي عبر فيه عن هموم الوطن وأبنائه وخاصة في الفترة التي كانت فيها فلسطين تحت الاحتلال البريطاني.
انتشرت أشعاره وأناشيده الوطنية في فلسطين فعرف بشاعر فلسطين وتخطتها إلى عموم الوطن العربي. أما الغرض الآخر الذي أبدع به فهو غرض الغزل، الذي مزج فيه عواطف الحب بعواطف الألم.
نهاية رحلة العمر
لم تكن حياته طويلة إذ كانت حوالي ستة وثلاثين عاما، قضاها طالب علم، وناظم شعر، ومعلم أجيال، وكاتبا في الصحف والمجلات والإذاعة الفلسطينية. ولكن الوضع المؤلم الذي عاشه بحكم ظروف الوطن لم يكن يمثل حزنه، وإنما كان يعاني منذ صغره من مجموعة من الأمراض التي أنهكت جسده، وجعلته ضعيف البنية بالإضافة إلى ألم في الأذن، وكان يعاني من قرحة في المعدة، والتهابات في الأمعاء، وقد صاحبته هذه الأمراض طيلة حياته فلم يسلم منها حتى جاء اليوم الذي كان يستلم فيه درجته العلمية من الجامعة الأمريكية، فقد شعر وهو على منصة الشرف بألم نغص عليه فرحته.وعلى أي حال، فإن سنوات العمر القصيرة التي عاشها كانت مليئة بالعطاء الأدبي والنضالي، ولم يستسلم للألم حتى جاء يوم الجمعة الثاني من شهر أيار عام 1941 وتوفي في نابلس ودفن فيها. إثر وفاته، أقيم حفل تأبين بمشاركة أدباء من أنحاء فلسطين في مدرسة النجاح الوطنية في حزيران 1941.وعلى الرغم من مرور عشرات السنين على وفاته، إلا أن أشعاره بقيت خالدة يرددها أبناء وطنه وأبناء العروبة كلهم، ولعل نشيد “موطني”، الذي نسمعه صباح كل يوم في ساحات المدارس ومعاهد التعليم، خير دليل على بقاء روحه وأدبه في الذاكرة.)
ومن قصائده المهمة جدا نقتطف من قصيدة
ذكرى حمية أهل الشام
لكِ في تُرْب «ميسلونٍ» دفينٌ كان للذائدين عنكِ مِثالا
مات في ميعةِ الشبابِ شهيدًا وكذا الحرُّ لا يموتُ اكتهالا
في سبيل الأوطانِ سالت دِماهُ «ذي المعالي فَلْيَعْلُوَنْ من تعالى»
فسلامٌ عليه يومَ دعاهُ وطنٌ مُرهَقٌ فصال وجالا
وسلامٌ عليه يومَ أُريق الدْ دَمُ منه، وضمّخَ الأجبالا
هذه روحُه أطلّتْ على الشّا مِ، تزور الرُّبى وتَغشى الظلالا
وتحضّ الرجالَ فيها على تَضْـ ـحِيَةِ النفسِ ما أُهينوا احتلالا
يومَ كانت قلوبُنا تتلظّى والعِدى تُوسِع البلادَ احتمالا
برجيمٍ لمّا أتاهم وَقاحٍ كان إتيانُه عليه وبالا
لم يبتْ غيرَ ليلةٍ كان فيها يُبصِرُ الموتَ حوله أشكالا
وكأني به تُجاذبه الأَوْ هامُ رعبًا، فيستوي إجفالا
قَلِقٌ يرقبُ الصباحَ فلمّا أَنْ تجلّى شدَّ الرحالَ، وقالا
الفِرارَ الفرارَ أَلْفَيْتُ في الشَّا مِ نَكالًا، وفتيةً أبطالا
وَلَوَ أنّ المقامَ طال ببَيْرُو تَ؛ لكان المصيرُ أسوأَ حالا
هذه شيمةُ الكرامِ بني الشَّا مِ، سَمتْ هِمّةً، وطابت فعالا
عربيٌّ إباؤكم أُمويٌّ لا أبادَ الزمانُ تلك الخِلالا
كلُّ جرحٍ أصابكم حلَّ منّا في صميم القلوبِ يأبى اندمالا
يحرس اللهُ مجدَنا ما بذلنا في سبيل الأوطانِ نَفْسًا ومالا