الملحق الثقافي: علم عبد اللطيف:
في ثورة الاتصالات، أصبحت المواقع الإلكترونية في العالم، الأكثر فاعلية وتأثيراً في المشهد الثقافي والفكري، عندنا وعند غيرنا، هي نوافذ يطل منها الجميع على العالم الرحب، نوافذ لكافة أشكال وأنواع العمل لدى مختلف الشرائح، متعاملين وتجار وإعلاميين وسياسيين ومفكرين، والناس العاديين.
على المستوى الثقافي، بدت هذه المواقع وكأنها قد كسرت احتكار الثقافة والنشر، فلم تعد الموافقات والرقابة موجودة على كل ما ينشر، ودون كلفة طباعة أيضاً، إلا أن الأهم فيها كان التلقي الجمعي لما يكتب، فهي تتيح التلقي والتذوق والنقد والمباركة من كل الشرائح، أو الرفض والإقصاء، ميزة لم تتحها الصحف قبلاً، ويمكن القول إن المواقع على الشابكة، أصبحت مدوّنة الكتّاب، حائطهم اليومي الذي يكتبون فيه كل نتاجهم، بسرعة ودون جهد، ويتم السجال حول ما يكتب بين المتلقين والكتاب، فيثرون ويغنون، يتعرفون على بعضهم، ويلتقون ويتبادلون الرأي، بخلاف ما كان يتم في الكتب والصحف، حيث كان الاتصال ينحصر بين كاتب غائب، وقارئ لا يمكنه إبداء رأيه فيما يكتب.
هذه الأداة بما تحمله من ميزات، أهمها حجم النصوص وعددها، فلا حد في هذا الفضاء للكتابة والنشر، أثّرت في منحيين اثنين، الأول هو التجربة التي اغتنت وانصقلت بفعل الكتابة والقراءة المستمرة لدى الكتاب والمتلقين، إن على مستوى الكتابة الإبداعية، شعراً أو نثراً.. أو على صعيد الفكر والثقافة، والثاني يتعلق بمسألة الكم والكيف، فلا أحد يجادل في كون كثير من الكتابات شكلت ركاماً حقيقياً كما يقول النقاد والمتابعون، لم تضف الكثير من الإبداع والتجديد، لكن الكم ذاته لا بد أن ينتج نسبة من الكتابات المهمة بفعل قانون الكم الذي يتصل بنيوياً بالكيف، وحقيقة الأمر أن الكتابة ابتدأت لدى البعض بشكل مختلف عما وصلت اليه لدى كثيرين، بفعل التواصل ذاته، لم تعد الكتابة للنخبة، ولا النقد أيضاً، وشكل هذا الوضع علاقة جمعية تتصل بفهم جمعي للحالة الثقافية، وأصبحت مسؤولية الكتاب أمام قرائهم مباشرة.
هناك أمر آخر تجدر الإشارة إليه، أن مواقع عديدة، نشطت في مجال التحفيز على الكتابة، تعلن عن جوائز، مادية ومعنوية، لا تقف بوجها الجغرافيا والمكان، متجاوزة تعقيد الأدوات القديمة وروتينها، يتكفل الانترنيت بكل شيء، كما لو أن الجميع حول مائدة مستديرة ودون وسيط، تماماً كما يتم تلقي الكتب بتنزيلها من النت، كما لو أن هذه الأداة تلغي دور المكتبات في العالم.
ومع ملاحظة أن لكل شيء ضريبة، فإن هذه المواقع تحمل ضريبتها في بنيتها، فهي حقيقة غير مضمونة في علاقتها مع المتعاملين، بحكم أن ما يقدمه الفضاء، يمكن أن يمحوه في أي وقت، ولا مسؤولية عقدية أو قانونية في كل ذلك، ولا أمان على مستوى حفظ المواد، التي تختفي دون إعلام مسبق، وكثيراً ما تغلق المواقع أبوابها، وتضيع العلاقة بينها وبين متابعيها، أو أن تتم سرقة المواد، وهي ظاهرة معروفة في الشابكة، وليس هناك طريقة للمقاضاة أو اقتضاء الحق.
يبقى أن نذكر، أن هذه المواقع هي أداة العصر، أعجبتنا أم لم تعجبنا، وهي حاجة فعلية أكثر منها خياراً، وتبدو فوائدها في ميزاتها العصرية، والتي تشهد في كل لحظة تطويراً وتحديثاً، وتقدم في كل يوم تنويعات في مسائل التواصل والمتابعة، ويبدو أننا منساقون إليها وبها، بحكم شمولية خدماتها، ولا العودة عنها إلى طرائق اعتدناها سابقاً، وسنبقى نلهث وراءها كمن لا يملك من أمره شيئاً، وقد لا يمكن لكثيرين منا الاستفادة من كل ميزاتها أو فهمها، بسبب تقنياتها العالية، وتنوّع طرق التواصل والاتصال.
يعتقد كثيرون أن العالم أصبح عبداً لتكنولوجيا اخترعها، أسرته فيما جمّلها وطورها، وانفلتت من سيطرته، فإلى أين ستصل العلاقة بين الصانع والمصنوع، هو سؤال أيضاً لا يمتلك أحد الإجابة عنه، حتى لدى من ينتجه.
التاريخ:الثلاثاء17-5-2022
رقم العدد :1095