الثورة – هفاف ميهوب:
“عالمٌ ليس لنا”.. هو ذاك العالم الذي دنّسه الحقد والعدوان، والقتل والسلب والاغتصاب، والذي اضطرّ الأديب والمناضل “غسان كنفاني” الذي غادر وطنه مع أهله وشعبه، للإشارة إلى مقدار ما تفاقمت في هذا العالم من أوبئة، هي أوبئة الاحتلال والقمع الصهيوني..
اضطرّ لمغادرة وطنه، وهو يتأبّط غربته، مثلما وعيه وبندقيّته.. يمضي في طريق المقاومة والأدب والنضال، وفي كلّ تنقلاته التي لم يفقد خلالها الأمل، بالعودة إلى وطنه والخلاص من الاحتلال.
هكذا مضى مزوّداً بهواء فلسطينه، ودون أن يدري بأن زمن القلق والخوف والمآسي، يتربّص حتى بقلمه.. قلم الإبداع والألم والسؤال، الذي يتبادر إلى ذهنِ كلّ المدافعين عن أوطانهم، من المقاومين الأبطال.
“من الذي سيعيره بندقية، في ذلك الطوفان الذي لا تنفع فيه إلا البندقية؟.. وحدها التي تستطيع أن تحمل الإنسان عبر ذلك الموج إلى شاطئ النجاة، أو إلى شاطئ موتٍ شريف..”..
إنه السؤال الذي أطلقه، بعد أن شعر بأن العالم الذي يعيشه ويحكمه الخذلان والعدوان، جعل منه مناضلاً ومبدعاً آل على انتمائه، أن يكون الناطق بمآساة شعبه، والمدوّن لمعاناته وآلامه.. شعبه الفلسطيني الذي حمل صوته، مُذ غادر وطنه حاملاً قضيّة، لم يتوقف دفاعه عنها، وبقلمه وفكره الذي أرعب العدو، وأشعره بأنه أقوى منه، وإلى الدرجة التي دفعت موساد هذا العدو لاغتياله، بل ولقول “غولدا مائير” رئيسة وزراء كيان العدو الصهيوني آنذاك: “اليوم تخلصّنا من لواء فكري مسلّح”.
نعم، لم يكن ذاك العالم لـ “كنفاني” الذي رأى، بأن “الإنسان في نهاية الأمر قضية”، وبأنه من “شعبٍ يشتعل حبّاً، ويزهو بأوسمة الأقحوان وشقائق النعمان على صدره وحرفه”…
لم يكن ذاك العالم له، ولن يكون هذا العالم، إلا لمن يؤمن إيمانه، بأن الإنسان قضية، وبأن رسالة هذه القضية: “لنزرع الشهداء، في رحمِ هذا الوطن المثخن بالنزيف، فدائماً يوجد في الأرض متّسع لشهيدٍ آخر”..
السابق