الثورة _ فؤاد مسعد:
خطوة جريئة يخوض غمارها المخرج حسام شراباتي عبر فيلمه القصير (سلمى) الذي انتهت عمليات تصويره مؤخراً ، وهو من تأليفه وإخراجه وتمثيل الفنانة علا باشا وإنتاج المؤسسة العامة للسينما ، انتصر عبره إلى الخيار الأصعب ففي فيلم تجاوزت مدته العشرين دقيقة تدور الأحداث كلها ضمن موقع واحد وليس هناك إلا ممثلة واحدة ، حيث تدور الحكاية حول زوجة تستعد للاحتفال بعيد زواجها .
حول خصوصية التجربة وما تحمل من تحدٍ وقدرة على الإدهاش ، يقول المخرج حسام شراباتي : (ممثلة واحدة وموقع تصوير واحد أمر ليس بالسهل وهو التحدي الذي نشتغل عليه ، ولكن مع وجود مدير التصوير محمد مطر ومشرف الإضاءة جمال مطر استطعنا تقديم معادل سينمائي يجعلنا نلاحق الممثلة خلال الوقت كله في كامل تحركاتها ضمن غرف المنزل ونلاحق قصتها وما تعيشه من صراع لنرى إلى أين تتجه ، وهو أمر مُتعب جداً على الجميع ويأخذ وقتاً طويلاً خاصة فيما يتعلق بالتحضير للإضاءة لتكون مخفية) ، وحول حرصه إلى إحداث حالة الدهشة يؤكد أنها قائمة من خلال الحالة البصرية التي يعملون على خلقها ، فالرهان كان القدرة على ملاحقة الممثلة في كل هذه الفترة الطويلة دون أي قطع ، وفيما يتعلق بكيفية حركة الكاميرا خاصة أن زوايا التصوير عادة ما تكون محصورة ومحدودة في المكان الواحد ، يشير إلى أنه لم تكن الزوايا محدودة أمامهم وإنما اشتغلوا من منطلق أن يكون التصوير في أرجاء المنزل كله وأن تكون اللقطات طويلة زمنياً .
فيما يتعلق بالإيقاع الذي حرص عليه ضمن الفيلم يقول : (جاء الإيقاع هنا كإيقاع أفلامي التي سبق وقدمتها كلها ، هو إيقاع شاعري ولكن هناك وجود لأجواء القلق والريبة الوقت كله الأمر الذي يجعل المشاهد في تساؤل مستمر عما سيحدث) ، وعن المحور الرئيسي للفيلم يؤكد أن البطلة امرأة وحيدة تعيش حالة انتظار الزوج للاحتفال بذكرى زواجها ، تبدأ بتحضير كل شيء ولكن تحدث معها أموراً مُفاجئة تجعلنا نكتشف أنها على علاقة غريبة جداً مع زوجها ، ويشير المخرج إلى أن الفيلم يناقش بشكل عام قضية المرأة في مجتمعاتنا ، الأمر الذي ركزّ عليه دائماً في كل أفلامه ، هي المرأة التي تسعى إلى خلق عالم بديل في ذهنها لتحاول أن تحقق حالة من السلام والتصالح مع كل ما يحدث حولها ، ويشير إلى أنه حتى اسم الشخصية والفيلم (سلمى) يحمل معنى السلام ومحاولة النجاة من الهلاك ، فهي تحاول خلق عالم افتراضي لتنجو من عالم مرير .
سبق للمخرج إنجاز أفلام غاص من خلالها إلى عوالم المرأة كما هو حالة فيلم (حواس) حتى إن بعضها حمل أسماء لإناث (سليمى) (بترا) كحال فيلمه الجديد (سلمى) ، حول السبب في ذلك يقول : (من ضمن مشروعي وخياري كمخرج أن أشتغل على موضوع المرأة في مجتمعاتنا ، فعندما نتصالح مع قضاياها ونحل مشكلاتها في مجتمعاتنا فإننا نًصلّح مجتمع) ، وعن القدرة على محاولة قراءة مكنونات المرأة التي قد تعجز المخرجات النساء عن قراءتها ، يقول : (أرتكز على ما أراه ضمن بيئتي وانعكاسات الأمور التي تجري حولنا ، ولكن من المستحيل أن أدرك عوالم المرأة أكثر منها ، لذلك عندما أختار الممثلة التي سأشتغل معها على الدور أحاول جعلها تساعدني للغوص أكثر في الشخصية حتى نحدد مشكلاتها وأزماتها الكبرى .
وعن الشراكة الإبداعية التي جمعت بينه وبين الفنانة علا باشا يؤكد أنها أبدت إعجابها بالنص ، يقول : تناقشنا حول النص وطورّنا فيه وقدمت اقتراحات هامة أخذتها بعين الاعتبار ، لأنه لا يمكنني أن أعرف عوالم المرأة أكثر من المرأة نفسها ، وقد قلت لها إن الفيلم قائم على ممثلة وموقع تصوير ومن ثم مخرج ، فعملي أن أُخِرج أفضل ما لديها وأظهر المكان بأجمل ما يمكن ضمن إطار يخدم الحكاية التي نطرحها بصرياً من خلالها ، ونحاول فيما نقدم أن ننجز فيلماً مميزاً يترك أثراً وبصمة.