الثورة – آنا عزيز الخضر:
الأفكار المتجددة تمنح العمل الفني ألقه وجاذبيته، مهما نجح الإبداع في سياق الأسلوب الفني الذي يحتاجه مسرح الطفل، حيث تحتل الصدارة مقولة العمل وأفكاره..
هذا ما ترجمه العرض المسرحي “ساعي البريد الأخضر” الذي يعرض على صالة مسرح العرائس بدمشق، وهو من تأليف “عاصم الخيال”.. إخراج “نديم سليمان”.
يتحدث العرض عن البيئة وضرورة المحافظة عليها، ومحاربة التلوث ضمن إطار جماعي منتمٍ، يعلي من قيمة المصلحة العامة، متزامناً مع أسلوب فني حرص على استثمار كافة العناصر الفنية، بكلّ دقة ومهارة، متمسكاً بمفردات مسرح العرائس الذي يحبه الطفل، لما فيه من إغناء للعرض بكمّ كبير من الأغاني التي يتفاعل معها، إضافة إلى معايير النص العرائسي الذي يتعاطى مع الأطفال، حيث يتوجب تقديم كل ما يتناسب مع أعمارهم، على صعيد الموضوع واللغة والصورة، واعتماد الدمى التي تلفت انتباه الطفل كثيراً، ويعتبرها رفيقته الأهم.
حول العرض، تحدثت الفنانة “زينب ديب” قائلة:
في مسرحيّة (ساعي البريد الأخضر) تبدو الفكرة غير محلية للوهلة الأولى، فالعرض يتحدّث عن البطاريق ورجل الثلج، وشجرة التفّاح والبلّوط، ورجل الدخان وساعي البريد الأخضر، في محاولة للتعليم البيئيّ وما تُحدثه المعامل من تلوّث يخنق الأشجار، ويجعل الحيوانات البرية والبحرية تهاجر عن مواطنها هرباً من الموت.
إنّ ابتكار رؤى إخراجية قريبة من الطفل، هو الإبداع بحدّ ذاته، وهو ملخّص ما يعنيه مسرح الطفل ككل، وليس مسرح الدمى وحسب.. أودّ الإشارة إلى أمر في غاية الأهمّيّة، وهو اللغة التي يجب أن نعوّد أذن الطفل عليها، بحيث تكون سليمة وصحيحة، ويكون التعامل معها في منتهى الدقة أثناء التوجه للطفل، ويمكننا القول بأن هذا الجانب يأتي في الصدارة، ويوزاي أهمية العناصر الأخرى، أما محرّكو الدمى المحترفون، فهم من أشاعوا جوّاً من المرح في المسرحيّة ككل..
يجب التُعامل باهتمام كبيرّة من قِبل المخرّج ومعدّ النصوص، حتى يصل عملهم كاملاً إلى الطفل، وبالتالي
يقدّم كتجربة يعوّل عليها في تطوير هذا النوع الأصيل والقديم في سورية، ولهذا عندما يقوم محرّك الدمى وصانعها بعملٍ ما فإنه يكون مميزاً، وله تأثيره وانتشاره ودوره التطويريّ، لأنّه يعرف المراد من عمله.
لا بأس أن آتي على ذكر نماذج عن الدور الذي قام به محرّكو الدمى والمشتغلون بها.. دورهم في تطوير هذا المسرح، كالراحل “أحمد الشيشكلي” الذي كان في نواة أوّل فرقة مسرح دمى، مع الراحل “عبد اللطيف فتحي”، وكذلك “سلوى الجابري” و”عدنان سلّوم” و “عاصم خيال” و”مأمون الفرخ”، واليوم الفنّانة “هنادة الصبّاغ” التي تقدّم أعمالاً مميّزة، ويكون كلّ عمل لها هو نقطة علاّم في مسرح العرائس السوريّ.
باختصار: مسرح الطفل من أخطر وأعقد الفنون، وهو مسرح عائليّ بكلّ معنى الكلمة، وليس للأطفال فقط، لكنّه لا ينال الاهتمام الكافي.
في عمل هنادة الصبّاغ”، مثلاً “حياة من ورق” الذي جاء بعد ورشة تصنيع وتحريك دمى الطاولة والورقية، تم تقديم عمل عائلي كامل، بإخراج موسيقيّ من تأليف “سامر الفقير” استطاع العمل أن يصل إلى صناعة عرض تفاعلي، وصلت أصداؤه بالشكل الرائع والمطلوب.