دخلت الحرب غير المسلحة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية مرحلة فائقة الخطورة مع صدور قرار وزارة الخارجية الروسية منع قرابة ألف شخصية أميركية من دخول الأراضي الروسية مدى الحياة ، يقف على رأسهم الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته بلينكن إضافة لرئيس استخباراته وأمنه القومي وغيرهم من كبار المسؤولين الأميركيين ، الأمر الذي يشير إلى تضاؤل، وربما انتفاء احتمال حصول انفراجات في هذه المواجهة تضع روسيا والغرب على مسار تفاوض وتفاهم وذلك وفق ما رأى وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، في الحوار الذي أجراه مؤخراً مع صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية،”إذ قال :إن الوضع الجيوسياسي على مستوى العالم سيشهد تحوّلات كبيرة بعد انتهاء حرب أوكرانيا”، وقال :إننا “نعيش الآن في عصر جديد تماما”. وربط ثعلب السياسة الخارجية الأميركية بين العلاقات الدولية القادمة بطريقة تفكك التحالفات المحتملة وتلغي بعضها كلياً معتبراً أنه “ليس من الطبيعي أن تكون للصين وروسيا نفس المصالح في جميع المشاكل المستقبلية.. وبالتالي، فبعد انتهاء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، سيتعين على روسيا إعادة تقييم علاقتها بأوروبا على الأقل، وموقفها العام تجاه الناتو”.دون أن يعني ذلك أن تصبح (الصين وروسيا) صديقا حميميا للغرب الأوروبي ، أي أنه في الفترة المقبلة، يجب ألا تكون روسيا والصين كتلة واحدة”.وفق رؤيته التي تعد نصيحة ورأياً يصل درجة الموقف بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية والغرب الأوروبي على السواء.
وما يزيد الوضع الدولي قتامة ذلك الدور الذي يفرضه وجود التقنيات الحديثة في جميع الدول في ظل احتمال اللجوء لاستخدام عامل الردع النووي في حالة شديدة الخطورة ، فيرى كيسنجر ذاته أن وجود تقنيات يمكن أن تؤدي إلى كارثة لم يكن من الممكن حتى تخيلها في وقت سابق.. والغريب أن هذه الأسلحة تتطور وتتكاثر كلّ عام، لكن لا توجد مناقشة دولية حول ما يمكن أن يحدث في حال تم استخدام الأسلحة النووية فعليا”.
وهنا قد تكون الشهادة التي يقدّمها العدو أكثر صدقاً من كثير من شهادات الأصدقاء ، فهو يرى أن معتقدات الرئيس بوتين الأساسية تقوم على نوع من الإيمان الصوفي بالتاريخ الروسي، وأنه يشعر بالضيق والغضب ، بسبب الفجوة التي ظهرت بين أوروبا والشرق وهو لا يقبل بالإهانة والتهديد الخارجي لأن روسيا شعرت بالتهديد بضم هذه المنطقة بأكملها للناتو..
وهكذا تبدو احتمالات الوصول إلى توافق قريب أمراً بعيد الاحتمال ، فيما تزداد احتمالات الصدام العسكري الأمر الذي يهدد الاستقرار السياسي العالمي والأمن الدولي وينذر بتغيير الخرائط السياسية وخرائط حدود المواجهات ، وهو ما يعني عالماً حديثاً لا يمت بصلة للفلسفات الأميركية التي هدفت لخلق عالم أحادي القطب سقط بضربات متتالية ، لتكون نهاية الحرب في أوكرانيا تمثل الضربة القاضية على ذلك النظام العالمي الوهم.