يوم بعد آخر يتأكد أن العالم يقف على حافة الانفجار الكبير، الحرب العالمية الثالثة التي يتجنب الكثيرون ذكرها بالاسم، بينما تجري فصولها على الأرض بقوة دفع أميركية غربية.
في النزاع القائم على تخوم روسيا، بالاستحواذ على أوكرانيا والمحيط الروسي، تهديداً مباشراً لموسكو، خرقت واشنطن والغرب كلّ الاتفاقات والتفاهمات وتجاوزت كلّ السقوف. ولما كان العجز عن استخدام مجلس الأمن الدولي واضحاً، وقد اتضح مبكراً، تمّ اللجوء إلى الأمم المتحدة لإضفاء الشرعية على محاربة روسيا بلا هوادة حتى تدميرها أولاً، قبل الانتقال إلى الصين، ذلك في الوقت الذي تزدري فيه واشنطن والغرب قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالكثير من الصراعات، أهمها وأبرزها، الصراع العربي الإسرائيلي!.
لم تبق واشنطن والغرب شيئاً أو عنصراً إلا واستخدمته في حربها على روسيا، وواضح أنهما “الغرب وواشنطن” لن يوفرا توظيف أي أمر لطالما جعلتا السقف بالحرب غير منضبط لجهة جعلها لا تتخطى حدود أوكرانيا.
منع تحليق الطيران الروسي في الأجواء الأوروبية، حزم العقوبات الاقتصادية الشاملة والقاسية، محاولة عزل روسيا عن النظام المالي العالمي وعن الفضاء الافتراضي، إضافة لمحاولة شطب كلّ ما يتعلق بالحضارة الروسية من التاريخ، حظر الغاز والطاقة، محاولة جعل أوكرانيا دولة نووية مع تسعير الحرب البيولوجية، دعم النازيين الجدد، الضغط على الدول الغربية المحايدة واستقطابها وضمّها للناتو، والكثير من الخطوات التصعيدية لا تؤكد فقط رغبة إشعال حرب عالمية ثالثة، إنما هي تعكس القرار في التقدم باتجاهها.
القرار البين المتخذ باتجاه إشعال الحرب، مؤشراته كثيرة متعددة أيضاً، إذا كان السعي لنشر أسلحة نووية في بولندا وعلى تخوم روسيا أحدها، فإن ما يجري العمل عليه لجهة تغيير الاستراتيجيات العقيدية للجيوش الغربية – الناتو، وأميركا، إضافة للعمل الجاري لاعتماد ميثاق تأسيسي جديد للعلاقات عبر الأطلسي، مع ما تفتحه من آفاق الصراع تلك الطروحات التي تتم تحت عناوين تعزيز مستوى الردع، إنما هي مؤشرات واضحة للذهاب إلى الحرب العالمية الشاملة التي لن تستثني الصين في الاستهداف، وقد كانت وما زالت التصريحات الأميركية تعلن عن عزم لا يلين لتنفيذ ما تسميه: وجوب التدمير الوقائي لروسيا، ثم الصين!.
إن مما يؤكد أن العالم ذاهب للمواجهة الكبرى التي تدفع أميركا باتجاهها، لا يتوقف فقط عند كلّ ما تقدم ذكره والمرور عليه، ذلك أن التحركات الأخرى باتجاه باكستان، الهند، إيران، تركيا والخليج، مع ما تعنيه محاولة العودة لتهديد سورية والعراق ولبنان، تؤكد أيضاً أن التخلي عن مخططات الأمس أمر غير وارد، بل تتم عملية تحديثه بالاعتماد على معسكر الأدوات ذاته لخلق المزيد من الأزمات، التي هي بتقديرات واشنطن ستضعف روسيا والصين، وتمنع قوى المقاومة في المنطقة من الانتقال إلى مرحلة أخرى تعزز فيها عوامل قوتها وتثمر ما أنجزته في الميدان، وبالسياسة.
السقف غير المنضبط الذي إرادته الولايات المتحدة لحربها ضد روسيا، ولحروبها في المنطقة، في إحدى معانيه يعبّر عن الرغبة بخوض حرب عالمية ثالثة ترسخ هيمنتها، وتضع يدها من خلالها على أوراسيا، ولكن هل يدرك العقلاء فيها أن ما تخطط له وتحلم به لن يتحقق، بل ربما يكون المناسبة إذا لم يكن لتفككها، فهي المناسبة والسبب بنزولها عن القطبية الأحادية وبما يطوي صفحتها؟.
لينظر عقلاء أميركا والغرب، بما آلت إليه الأمور خلال الأشهر الثلاثة الماضية: انكشف الغرب والناتو على أزمات لا حدود لها وغير مسبوقة، ولم تنكشف موسكو. تنكشف واشنطن وتعاني أزمة أسعار وتضخم، وعجز، وانقسامات، لن تبقى في حدودها الحالية، وستغرق إدارة جو بايدن بالوهم أكثر لو قدّرت أنها في طريقها لإحداث التغييرات المطلوبة. الغد القريب جداً سيشلها ربما، فالانتخابات على الأبواب المغلقة على أزماتها وأزمات الغرب المتفاقمة .