من المعروف أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة تنطلق من مجموعة مبادئ تقوم عليها ، أولها : أن أميركا أولاً في العالم حسب برتوكولات من يسمونهم الآباء المؤسسين الذين يرون أنهم مكلفون برسالة سماوية ، وهم سادة العالم ، أي شعب الله المختار، من هنا لايتورع البيت الأبيض عن استخدام أي سلاح مهما كان فتاكاً ضد من لايمشي في ركبه ، والوقائع في الحرب العالمية الثانية تدلل على ذلك .
استخدمت واشنطن السلاح النووي ضد اليابان مع أنها لم تكن بحاجة ذلك ، ولكنّها كانت رسالة إلى العالم أن العصر الاميركي قد بدأ ومن يقف بوجهه سيكون له حسابه .
والسؤال الآن: ما الذي تغير، ولماذا يعمل ثعلب التخطيط الأميركي ( كيسنجر) بهذه الحكمة ، وكيف يدلي بما أدلى به ؟
هل ثمة تغيير في الاستراتيجية الاميركية ؟ بالتاكيد : لا ، لم تتغير ، ولكن القراءات تغيّرت بفعل ما يجري على الأرض من متغيرات ، تجلّت في الحرب الوقائية الروسية ضد التغلغل الأميركي على حدودها ، وضد توحش وتغول الناتو الذي وصل حد الغرور ، وظنّ أنه قادر على قهر ارادة الشعوب ، وما يقوم به على تخوم روسيا ليس إلا تجليات للغباء والعنجهية التي لم تقرأ فعلا متغيرات العالم ، وكيف تستطيع استحضار لحظات النهوض والثأر لكرامتها ، وتغيير المعادلة .
ثعلب السياسة الخارجية الأميركية ومن معه ممن قرؤوا المتغيرات جيداً لا ينصحون أوكرانيا حبّا بها ، وهو إذ يفعل ذلك ، إنما من قراءة واقعية مفادها أن رياح ما يجري لا تهب في صالح واشنطن ، ولا الناتو ، والهزيمة ستلحق بهذا المعسكر ، وكيسنجر ومن معه يريدون اقتناص واغتيال هذا النصر قبل حدوثه لئلا يحفر مجراه عميقا في التاريخ ويغير الوقائع ، باختصار : إنهم يقرؤون المتغيرات بدقة ، ويعملون على محاولة تغيير مجرى ما يحدث ، ولكن سبق السيف العذل.