أعباء كثيرة يتحملها المواطن كما الخزينة العامة للدولة، فكلاهما يحمل ما يفوق طاقته بمراحل في وقت يحتاج فيه تخفيف الأحمال من جهة، والدعم أو المؤازرة من جهة أخرى حتى يتمكن من الاستمرار في وجه عواصف المتطلبات.
وإن كان من قاسم مشترك بين الحالتين لجهة الحل والقدرة عليه، فلا بد أنها وزارة المالية التي وُجدت أصلاً وفي كل دول العالم وعبر كل حقبات التاريخ، وُجدت حتى تكون قادرة على ملء الخزينة وبالتالي جيب المواطن بعد خدماته الضرورية والأساسية، ناهيك عن تأمين احتياطيات ضرورية لغير المنظور أو المنظور المستور من النفقات الضرورية للبلاد.
المشكلة أن وزارة المالية تعتمد بداية سياسة جبائية غير تنموية تقوم بالدرجة الأولى على جباية مبالغ تقديرية وبغض النظر عن تأثيرها على المحل الضريبي الذي جُبيت منه، ولا يغيب عن الذهن أن الحديث هنا هو عن المرافق والفعاليات القانونية التي تحترم اسمها وسمعتها، أما المدقق المتابع لأداء المالية فيمكن له تحديد استراتيجية عملها بإطفاء الحرائق لا الوقاية منها، ما يعني أن تأمين المبالغ الكبيرة التي تشكل رافداً حقيقياً للخزينة تكون على شكل موجات كاسحة آنيّة.
المسألة مقدور عليها ويمكن حلّها ببساطة شديدة رغم أن الحلول البسيطة غير مرغوبة والدارسون أميل إلى الحلول المتشعّبة المعقّدة.. المسألة ببساطة تنهض من إعادة تصنيف جديدة للمكلفين الحقيقيين الفعليين، بمعنى إعادة تحديد خريطة المطارح الضريبية في البلاد تبعاً لتغيرها وبشدة كل ربع أو نصف من السنة، حيث تظهر فعاليات اقتصادية ومالية لم نسمع بها قبلاً وواضح للعيان كثافة وسماكة ملاءتها المالية، فتكون والحال كذلك مطرحاً ضريبياً جيداً، يغني عن الكثير مما يتم الجباية منه والذي لا يشكل بمجموعه عُشر ما تدرّه المطارح الحقيقية على الخزينة.
لعل في شعار هيئة الضرائب والرسوم الحل الحقيقي بتحمّل كبار المكلفين (الواجب إعادة تصنيفهم مع متوسطيهم) للجزء الأكبر من العبء الضريبي لدرجة لا تقل عن 60%، مع انخفاض النسبة إلى 30% لمتوسطي التكليف، ليكون العبء الذي يتحمله صغار المكلفين محصوراً ضمن نسبة 10% فقط.
المسألة تتصل بكل نواحي الحياة بتشعّباتها وتعقيداتها وذات صلة قوية بقادمات الأيام وتحضيرنا لها، وبالتالي فالتعامل الهادئ المرن المنفتح على الآراء المختلفة والحلول المطروحة هو السياق الوحيد الذي يمكّن الجهاز المالي وقرينه الضريبي من السير في الاتجاه الصحيح.