الملحق الثقافي – أحمد عبد المعطي حجازي:
هو شاعر وناقد مصري، ولد عام 1935م في مدينة تلا بمحافظة المنوفية بمصر، حائز على شهادة في علم الاجتماع ودبلوم في الدراسات المعمقة في الأدب العربي. شارك في العديد من المؤتمرات الأدبية في عواصم عربية مختلفة، وهو أحد رواد حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر. ترجمت مختارات من قصائده إلى لغات أجنبية؛ كالفرنسية، الإنجليزية، الروسية، الإسبانية، الإيطالية والألمانية
مرَّ الشاعر المصري أحمد حجازي بالعديد من المحطّات في حياته، حقق من خلالها الكثير من الإنجازات،
بدأ العمل الصحفي كمحرر في مجلة “صباح الخير” في عام 1956، ثم تابع عمله في مجال الصحافة في دمشق، سورية بعد إعلان الوحدة بين سورية ومصر. شغل منصب مدير تحرير مجلة “روز اليوسف” المشهورة، بعد اكتسابه خبرة كبيرة أثناء تواجده في سورية. عُرف بأنه أحد رواد حركة التجديد الشعري التي برزت خلال أواسط القرن العشرين، فأبدع في كتابة قصيدة النثر. نشر أحمد حجازي أول دواوينه الشعرية “مدينة بلا قلب” في عام 1959م، وفي نفس العام نشر ديوانه الثاني “أوراس”. ثم أصدر ديوانه الشعري الثالث بعنوان “لم يبقَ إلا الاعتراف” في عام 1965م. بعدها أصدر حجازي ديواناً جديداً بعنوان “كائنات مملكة الليل” في عام 1983م، ثم أصدر ديوان “أشجار الإسمنت” في عام 1989م. اشتملت مؤلفاته كتباً مثل؛ “حديث الثلاثاء”، “الشعر رفيقي”، “مدن الآخرين”، “عروبة مصر” وغيرها الكثير. انضم حجازي إلى كُتّاب جريدة الأهرام المعروفة في عام 1990م. شغل منصب رئيس تحرير مجلة “إبداع” الصادرة عن الهيئة العامة للكُتّاب من عام 1990م إلى عام 2014م. تولى حجازي الكثير من المناصب؛ عضوية المجلس الأعلى للثقافة بمصر، رئاسة لجنة الشعر التابعة للمجلس، ويُذكر بأنه تخلّى عن جميع هذه المناصب بعد أن تم عزله من قبل وزير الثقافة جابر عصفور من رئاسة تحرير مجلة إبداع.
حاز حجازي العديد من الجوائز الثقافية طوال مسيرته الشعرية، حيث فاز بجائزة كفافيس اليونانية المصرية في عام 1989م. مؤلفاته ألّف الشعار المصري العديد من الدواوين الشعرية والمؤلفات،
الدواوين الشعرية مدينة بلا قلب (عام 1959م) أوراس (عام 1959م) لم يبق إلا الاعتراف (عام 1965م) مرثية للعمر الجميل (عام 1972م) كائنات مملكة الليل (عام 1983م) أشجار الإسمنت (عام 1989م) مؤلفاته والدراسات النقدية إبراهيم ناجي (دراسات ومختارات من قصائده) عام 1972م. خليل مطران (دراسة ومختارات من قصائده) عام 1975م. عروبة مصر (دراسة ووثائق) عام 1979م. الشعر رفيقي (دراسة واعترافات حول التجربة الشعرية) عام 1988م. أحفاد شوقي (دراسة في شعر الجيل الجديد من الشعراء المصريين) عام 1992م. علموا أولادكم الشعر (دراسة ومختارات من الشعر الرومانتكي المصري) عام 1995م.
لمن نغني
ولدت هنا كلماتنا
ولدت هنا في الليل يا عود الذرة
يا نجمة مسجونة في خيط ماء
يا ثدي أم لم يعد فيه لبن
يا أيها الطفل الذي ما زال عند العاشرة
لكن عيناه تجولتا كثيرا في الزمن
يا أيها الإنسان في الريف البعيد
يا من يصم السمع عن كلماتنا.. بالعين لو صادفتها
كيلا تموت على الورق
أسقط عليها قطرتين من العرق
كيلا تموت
فالصوت إن لم يلق أذنا ضاع في صمت الأفق
أين الطريق إلى فؤادك أيها المنفي في صمت الحقول
لو أنني ناي بكفك تحت صفصافه
أوراقها في الأفق مروحة
خضراء هفهافه
لأخذت سمعك لحظة في هذه الخلوة
وتلوث في هذا السكون الشاعري حكاية الدنيا
ومعارك الإنسان، والأحزان فيَ
ونفضت كل النار، كل النار في نفسك
وصنعت من نغمي كلاما واضحا كالشمس
عن حقلنا المفروش للأقدام
ومتى نقيم العرس؟
ونودع الآلام؟!
كان لي قلب
على المرآةِ بعضُ غبارْ
وفوق المخدع البالي ، روائح نومْ
ومصباحٌ .. صغيرُ النارْ
وكلُّ ملامح الغرفهْ
كما كانت ، مساء القبلةِ الأولى
وحتى الثوب، حتى الثوبْ
وكنتِ بحافةِ المخدعْ
تردّين انبثاقةَ نهدكِ المتْرَعْ
وراءَ الثوبْ
وكنت تريْنَ في عيني حديثاً.. كان مجهولاً
وتبتسمين في طيبهْ
وكان وداعْ
جمعتُ الليلْ في سمتي
ولفّقْتُ الوجوم الرحبَ في صمتي
وفي صوتي
وقلت.. وداعْ!
وأقسم، لم أكن صادقْ
وكان خداعْ!
ولكني قرأتُ روايةً عن شاعرٍ عاشقْ
أذلَّته عشيقتُه، فقال.. وداعْ!
ولكن أنت صدَّقْتِ!
*
وجاء مساءْ
وكنتُ على الطريقِ الملتوي أمشي
وقريتُنا.. بحضن المغربِ الشفقِي
رُؤَى أفقِ
مخادعُ ثرّةُ التلوينِ والنقشِ
تنام على مشارِفها ظلالُ نخيلْ
ومئذنةٌ.. تَلوَّى ظلُّها في صفحة
التّرعَهْ
رُؤيً مسحورةٌ تمشي
وكنت أرى الزهرِ للزهرِ
وأسمع غمغماتِ الطيرِ للطيرِ
وأصواتَ البهائم تختفي في مدخل القريهْ
وفي أنفي روائحُ خصبْ
عبير عناقْ
ورغبةُ كائنيْنِ اثنينِ أن يلدا
ونازعني إليك حنينْ
وناداني إلى عُشِّكْ
إلى عشّي
طريقٌ ضم أقدامي ثلاثَ سنينْ
ومصباحٌ ينوّر بابَكِ المغلقْ
وصفصافه
على شُبّاككِ الحرّان هفهافه
ولكنّي ذَكرْتُ حكايةَ الأمسِ
سمعتُ الريحَ تُجهش في ذُرى الصفصافْ
!يقولُ.. وداعْ
*
ملاكي! طيريَ الغائبْ!
حزمتُ متاعيَ الخاوي إلى اللُّقمهْ
وفُتُّ سنيني العشرين في دربك
وحنّ عليّ ملاّحٌ، وقال.. اركبْ!
فألقيتُ المتاعَ، ونمتُ في المركبْ
وسبعةُ أبحرٍ بيني وبين الدارْ
أواجه ليليَ القاسي بلا حبٍّ
وأحسد من لهم أحبابْ
وأمضي.. في فراغ، باردٍ، مهجورْ
غريبٌ في بلادٍ تأكل الغرباءْ
وذات مساءْ
وعمرُ وداعِنا عامان
طرقتُ نواديّ الأصحاب، لم أعثر
على صاحبْ!
وعدتُ.. تَدعُنّي الأبوابُ
والبوّابُ، والحاجبْ!
يدحرجني امتدادُ طريقْ
طريقٍ مقفرٍ شاحبْ
لآخرَ مقفرٍ شاحبْ
تقومُ على يديه قصورْ
وكان الحائطُ العملاق يسحقني
ويخنقني
وفي عيني.. سؤالٌ طاف يستجدي
خيالَ صديقْ
ترابَ صديقْ
ويصرخ.. إنني وحدي
ويا مصباحُ! مثلك ساهرٌ وحدي
وبعْت صديقتي.. بوداعْ!
*
ملاكي! طيريَ الغائبْ!
تعاليْ.. قد نجوعُ هنا
ولكنّا هنا اثنانِ!
ونعري في الشتاء هنا
ولكنّا هنا اثنانِ
تعَاليْ يا طعامَ العمرْ!
ودفء العمرْ!
تعاليْ لي
العدد: 1100 التاريخ: 21 – 6 – 2022