لا تزال أصداء تسعيرة وزارة التربية الأخيرة التي حددت فيها أقساط المدارس والمؤسسات التعليمية الخاصة تتردد في أوساط المواطنين والأهالي الذين يسعون لتأمين عام دراسي جيد لأبنائهم المقبلين على مرحلة شهادة التعليم الأساسي والثانوي لضمان مجموع مقبول يسمح لهم بالتسجيل بالفرع الجامعي الذي يطمحون إليه، وذلك في ضوء التراجع الواضح في مستويات التعليم في عدد من المدارس العامة.
فمن جهة لم تأت التسعيرة المعلن عنها مقنعة بالنظر إلى أن واقع الحال يبتعد كثيراً عن الحد الأعلى الذي أقرته وزارة التربية في تسعيرتها والمحدد بـ (700 ألف ليرة) للقسط السنوي للطالب الواحد في الثانوية، في حين أن هناك أهالي تحدثوا عن تسديد أقساط تفوق المليوني ليرة في بعض المدارس العام الماضي، فكيف استقام الأمر مع واضعي التسعيرة..؟؟
ويأتي الجواب هنا من خلال النقاط التي جاءت ملحقة بالتسعيرة المحددة لقاء الخدمات والميزات الإضافية التي تقدمها المدرسة لطلابها، والتي فتحت باباً واسعاً لتحقيق زيادات غير محددة السقف على التسعيرة مع كل إضافة أو خدمة أو ميزة حدد ثمنها بـ 30 ألف ليرة في التعليم الثانوي..!! وهنا أجور النقل غير محسوبة والتي ستضاف حكماً على القسط السنوي بعد احتساب عدد النقاط مضروباً بـ 30 ألف ليرة..!!
ولعل هذا الأمر يعيدنا إلى أسئلة هامة يطرحها المواطن غير القادر على مجرد التفكير بتسجيل أبنائه بالمدارس الخاصة، وهنا نتحدث عن شريحة واسعة من المجتمع بالكاد تؤمن معيشة أسرها بالحد الأدنى، وهؤلاء يسألون لماذا كل هذا الإهمال الذي تشهده مدارس عامة بدءاً من الخدمات داخل المدرسة والتجهيزات والمقاعد والتدفئة وصولاً إلى المستوى التعليمي والتدريسي الذي تراجع بشكل ملحوظ جداً في عديد من المدارس العامة..!!
وكيف استقام الأمر مع وزارة التربية التي تجهد يومياً بتصدير أخبار عن ورش عمل ولقاءات وتدريبات حول مهارات ونشاطات متعددة دون أن تلحظ أن هناك مدارس بحاجة إلى الكثير من الاهتمام والمتابعة والبحث عن الأسباب التي أدت إلى وصول التعليم فيها إلى مستويات متدنية…!!!
وهل لهذا علاقة بتزايد عدد المدارس الخاصة المرخصة، والتي باتت تستقطب سنوياً مئات الطلاب الباحثين عن فرصة تعليم حقيقة بمستوى جيد على الأقل؟ والتي تصدر كوادر وطاقات هي من ستصنع المستقبل؟
بحسبة بسيطة وبعد تقدير متوسط القسط السنوي بحسب التسعيرة المعلنة مع تقدير وسطي عدد النقاط التي من الممكن أن تضاف على التسعيرة نجد أن أقل عائد تحصل عليه أي مدرسة خاصة سنوياً من طلاب (البكالوريا) يتجاوز 3.5 مليارات ليرة ما عدا الدورات الصيفية …!!
فهل هناك استثمار أنجح وأكثر موثوقية من هكذا استثمار.. ربما في هذا ما يبرر ويفسر الزيادة الملحوظة في عدد المدارس الخاصة، والإقبال اللافت من قبل بعض المستثمرين لتوظيف أموالهم في هذا القطاع الذي يؤمن أرباحاً مضمونة وتتجاوز بقيمتها ونسبتها كل أنواع الاستثمارات الأخرى… !!
وبعد هذا نسأل ما هو الأهم أن نستثمر بالمدارس، أم نستثمر المدارس لتكون هي منارة الإشعاع العلمي والفكري والتعليمي.
