قراءات متعددة لزيارة وزير الخارجية الإيراني إلى سورية، ذهب لها كثيرون في محاولة لفهم عمق العلاقة السورية الإيرانية، وبالمقابل ذهب آخرون في قراءاتهم للتشكيك والطعن ولإبراز جوانب خلافية وإن كانت غير موجودة في الواقع، فالهدف فيها تركز على محاولة إيجادها أو الترويج لها، ذلك على غرار ما تكرر حصوله في مراحل سابقة سواء لجهة التشكيك بالعلاقة السورية الإيرانية أم لناحية التشكيك بالعلاقة السورية الروسية.
بكل مرة تزداد فيها نغمة التشكيك تلك، كانت ليس وحدها التصريحات والمواقف السياسية والميدانية تدحض وتؤكد عمق هذه العلاقات، إنما الوقائع على الأرض كانت تثبت متانة ورسوخ هذه العلاقة مع إيران من جهة ومع روسيا من جهة أخرى، لتزداد أوجه التعاون المشترك والوثيق ولتظهر معها تباعاً النتائج العميقة التي تتطلع لها سورية، إيران، وروسيا.
لا شك أن مباحثات وزير الخارجية الإيراني في دمشق تناولت العلاقات الثنائية، التحديات المشتركة، مسار استانا، عملية جنيف، التعاون الوثيق بين البلدين كمنعكس مباشر للزيارة الأخيرة التي قام بها السيد الرئيس بشار الأسد إلى طهران ٨ أيار الماضي، إلا أن التهديدات التركية ربما أخذت الحيز الأوسع من الاهتمام الإعلامي والسياسي.
التهديدات والادعاءات التركية الباطلة والمضللة التي تساق في إطار تبرير العدوان على الأراضي السورية لإقامة ما يسمى “المنطقة الآمنة” قد تكون احتلت الجانب الأهم في المباحثات الثنائية السورية الإيرانية، غير أنها لا تنطلق من وجهات نظر متعارضة إنما من قاعدة ثابتة تؤمن بها دمشق وطهران، هي الحفاظ على الأمن والاستقرار والسلام ومحاولة إيجاد الحلول بالحوار والطرق الدبلوماسية.
بهذا المعنى، هل حمل الوزير الإيراني مبادرة للحل تقوم على الحوار من أجل إسقاط ذرائع النظام التركي والحيلولة دون وقوع عدوان عسكري تعارضه طهران بالمطلق، وستتصدى له دمشق؟ نعم هناك دور إيراني بهذا الإتجاه، كان سبقه دور روسي في الاتجاه ذاته في مراحل سابقة لإجهاض العدوان التركي بالعودة أولاً وأخيراً إلى اتفاق أضنة.
ادعاءات النظام التركي هي باطلة ومضللة من جهة، لكنها من جهة أخرى تفضح أنقرة وواشنطن كطرفين يمارسان الاعتداءات على الأراضي السورية ويحتلان أجزاء منها ويدعمان فصائل الإرهاب والمليشيات الانفصالية، ويتبادلان الخدمات في لعبة قذرة.
نظام أردوغان هو جزء من مشروع العدوان الأميركي على سورية بدعمه المعلن للتنظيمات الإرهابية “هو الطرف الضامن لها في مسار استانا”، وكذلك إن الميليشيات الانفصالية هي جزء من مشروع العدوان ذاته، فإذا كانت ادعاءات نظام أنقرة تتعلق بهذه الميليشيات، فمشكلته مع مشغله الأميركي، وبالتأكيد حلها يبدأ بتفكيك المشروع الأميركي لا بممارسة العدوان على الأراضي السورية.
بمطلق الأحوال، إذا كانت الفرصة متاحة لإنجاح الدور الإيراني باتجاه إسقاط ذرائع العدوان والحيلولة دون وقوعه، فإن ذلك قد يؤسس لتفاهمات تتكامل مع مخرجات مسار استانا، وإذا كان نظام أردوغان يراوغ كعادته ويكذب انسجاماً مع طبيعته، فإنه سيواجه بمقاومة لا يتوقعها تعمق مأزقه وتقوده ربما لمغامرات تهدد مستقبله السياسي وهو الواقف على أعتاب انتخابات بلدية برلمانية رئاسية، والمحاصر بسلسلة من الأزمات الداخلية، والخارجية.