زمن مازال ينوس بين الحضور والغياب

الملحق الثقافي- أحمد علي هلال:

ولعل تاريخها لا سيما بين الأدباء والمبدعين شرقاً وغرباً ما يعيدنا إلى ما يمكن تسميته بالزمن المضيء، فماذا لو قرأنا رسائل مي زيادة وجبران خليل جبران، وعاد الشعاع «الأزرق ليضيء» لحظتنا، وعلى هذا النحو سنتساءل عن رسائل غسان كنفاني لغادة السمان، وكم أثار كتابهما عواصف لما تهدأ بعد، وماذا عن «الرسائل بين الشاعرين الراحلين سميح القاسم ومحمود درويش»، إذ يقول محمود درويش في رسالته الأولى لسميح القاسم: «وما قيمة أن يتبادل شاعران الرسائل… انتبه جيداً لن تستطيع قول مالا يقال، فنحن مطالبان بالعبوس، مطالبان بالصدق والإخفاء ومراقبتهما في آن، مطالبان بألا نشوه صورة النمطية عدتها لنا المخيلة العامة، ومطالبان بإجراء تعديل ما على طبيعة أدب الرسائل» وماذا عن رسائل «سدنة الاغتراب» بين أديبة سامقة وناقد مازال يملأ الدنيا ويشغل الناس، الرسائل بين غادة السمان ويوسف سامي اليوسف؟.
لكن زمن الرسائل سيتعالق بالحنين البعيد منذ أن كتب مصطفى صادق الرافعي «أوراق الورد»،و كتب كثيرون ومعهم ذهبنا في درسنا النقدي إلى استجلاء خصوصيات أدب الرسائل وماهيته الفارهة، وخواصه التكوينية، ليكون زمنهم زمن الحلم بامتياز قبل أن تجتاحنا ما سميت بالثورة الرقمية التي جعلت مسافة صارخة بين الأصابع والنبض، ولم تجهر بإحساس الكتّاب وتلوين مشاعرهم من خلال خطوط أقلامهم التي ترسم على الورق وبرائحة مميزة وجدهم وشجونهم ورعشة قلوبهم، أجل تقحمت التقنيات على أهميتها تلك الفضاءات الزرقاء وأطاحت بخصوصيتها، في زمن افتراضي كما المشاعر التي لا تُرى، فهي محتجبة خلف آلة صماء، ومازال الحنين لساعي البريد حينما يحمل رسائلنا/ نبضنا المضمخ بعطر القلوب والأصابع، تُرى هل أصبح ذلك من الماضي السحيق، وهل تعني استعادته كما لو أننا نستعيد حلماً مضى ببراءته وارتباك خطوطه؟.
لعل في السؤال نزوع ملتبس لتفجرات الذاكرة، وزيارة غير اعتيادية لفراديس الحنين… في الرسائل نتوق نحن أبناء الألفية الجديدة لئن تكتبنا الكلمة كما نكتبها، حيث دم القلب حبر لفكرة باذخة، كما رائحة الورق التي تفيض في الأرواح لتصبح ذاكرة الذاكرة، نتوق إذن وبتفكير مسموع لنعود لذلك الوصال بين أصابع الروح حينما تُمسك القلم لترش في أرض الورق بذورها تحت شمس الفكرة، لتُسقى بماء القلب وحده وتُورق مجازاتها حدائق معلقة: بابل الفكرة وجلجامش العشبة، ولنقل بعد ذلك لا عزاء لزمن جفف ماء القلب، وتوسل التكنولوجيا بعُدتها الجافة والمالحة بآن، ولنجهر الآن بالسؤال الضروري ما قيمة أن نتبادل الآن رسائل سنكتبها على ورق جديد كما الندى على ورق الورد، ليس ذلك ضرباً من الجنون أو العودة بالزمن إلى الوراء، بقدر ما هو تجلٍ للروح كي ما تسطع شمسها وتحفر ضفافها في القلوب، ولتكن أولى الرسائل إلينا لنبوح أو نكاشف غيرنا، وهل غيرنا إلا ذواتنا، ولنتبادل الآن رسائلنا الورقية في زمن الثورة المعلوماتية كتمارين تعيد تأهيل القلب والأصابع والرؤى، حتى تلتمع الأوراق وتزهو بعطر النصوص الخفي الغامض، تلك حلاوة الأرواح حينما نستعيدها في لحظة جد مركبة، لحظة القبض على الدهشة وتوطينها من جديد في الذاكرة، وسيكون الحنين هنا أكثر من ثيمة لا تعني إحياء ظاهرة بعينها -أدب الرسائل- بقدر ما تعني اكتشاف الحياة ببراءتها الخالصة وبنقاء مستعاد، وبتلك الخطوط الملونة بارتباكاتها وارتكاباتها وما تحدثه من أثر في وجدان متلقيها، لتفيض عليه بفرح كثيف هو القبض على الزمن الجميل.

العدد 1102 – 5-7-2022

آخر الأخبار
صيانة عدد من آبار المياه بالقنيطرة  تركيا تشارك في إخماد حرائق ريف اللاذقية بطائرات وآليات   حفريات خطرة في مداخل سوق هال طفس  عون ينفي عبور مجموعات مسلّحة من سوريا ويؤكد التنسيق مع دمشق  طلاب التاسع يخوضون امتحان اللغة الفرنسية دون تعقيد أو غموض  إدلب على خارطة السياحة مجدداً.. تاريخ عريق وطبيعة تأسر الأنظار سلل غذائية للأسر العائدة والأكثر حاجة في حلب  سوريا تفتح أبوابها للاستثمار.. انطلاقة اقتصادية جديدة بدفع عربي ودولي  قوات الأمن والدفاع المدني بوجٍه نيران الغابات في قسطل معاف  قضية دولية تلاحق المخلوع بشار الأسد.. النيابة الفرنسية تطالب بتثبيت مذكرة توقيفه  بعد حسم خيارها نحو تعزيز دوره ... هل سيشهد الإنتاج المحلي ثورة حقيقية ..؟  صرف الرواتب الصيفية شهرياً وزيادات مالية تشمل المعلمين في حلب  استجابة لما نشرته"الثورة "  كهرباء سلمية تزور الرهجان  نهج استباقي.. اتجاه كلي نحو  الإنتاج وابتعاد كلي عن الاقتراض الخارجي  الهوية البصرية الجديدة لسوريا .. رمز للانطلاق نحو مستقبل جديد؟ تفعيل مستشفى الأورام في حلب بالتعاون مع تركيا المؤتمر الطبي الدولي لـ"سامز" ينطلق في دمشق غصم تطلق حملة نظافة عامة مبادرة أهلية لحفر بئر لمياه الشرب في معرية بدرعا السيطرة  على حريق ضخم في شارع ابن الرشد بحماة