إبّان هجوم التتار على العالمين العربي والإسلامي، حارب في صفوفهم آلاف الجنود العرب والمسلمين طوعاً أو كرهاً، حيث لم يكتفّ التتار باتخاذ الأسرى المسلمين دروعاً بشرية، بل كانوا يجبرونهم على القتال في صفوفهم ضد بني جلدتهم، ومن لم يستطع القتال منهم كانوا يتخلصون منه قتلاً، على أبواب المدن العربية والإسلامية، التي ينوي التتار حصارها وغزوها، لإيقاع الرعب في صفوف المتحصنين خلف الأسوار.
وذاك التكتيك الذي استخدمه التتار قبل ما يناهز الثمانية قرون، يحاول مغول العصر الأمريكيين استخدامه حالياً، عبر محاولات إنشاء ما يسمى “ناتو” شرق أوسطي، رغم الفروق الهائلة والشاسعة بين الحالتين.
وعلى رأس تلك الفروق، هو أنّ جيش هولاكو كان جيشاً مقاتلاً، وذلك بعكس الحالة الرثة التي يعاني منها جيش الكيان المؤقت، حيث أنّه ومنذ انتهاء عدوان تموز 2006، وهذا الجيش يحاول استدراك نقاط ضعفه دون جدوى، ويحاول عبر المناورات المتكررة حدّ الملل، أن يصل إلى نتائج ولو بنسبٍ ضئيلة، لقدرته على حسم المعارك، على أيّ جبهة منفردة، فضلاً عن جبهاتٍ متعددة.
كما أنّ أولئك الذين قاتلوا في صفوف التتار، كان التتار يطعمهم ويكسوهم ويسلّحهم، بينما في”الناتو” الأمريكي، فإنّ العرب هم من سيدفعون المال للكيان، وسيشترون منه السلاح، الذي يُفترض أنّه يدافع عن الكيان، أيّ أنّ المطبعين سيشترون السلاح من الكيان، ليحاربوا نيابةً عنه، في الوقت الذي يدّعون فيه أنّهم يحالفونه لحمايتهم.
أمّا عن أوجه الشبه، يأتي في مقدمتها أنّ التتار اتخذوا من هؤلاء دروعاً بشرية، وهذا ما تحاول الولايات المتحدة إنجازه في هذا “الناتو”، فتصبح عواصم المطبعين عمقاً استراتيجياً للكيان، وتتلقى عنه الضربات عسكرياً وسياسياً، والأهم توعوياً وثقافياً، حيث لنا أن نتخيل أن تتوجه صواريخ محور القدس إلى عواصم عربية، بدلاً من “عاصمة” الكيان، وماذا سيرتب ذلك في الوعي الجمعي، وماذا سيرتب أخلاقياً في الضمير الجمعي.
ولكن بعيداً عن هذا السيناريو الافتراضي، فإنّ عوامل إنشاء مثل هذا التحالف، تكاد تكون منعدمة، فضلاً عن نجاحه، وهذا التلويح يدخل في باب الضغط السياسي أو الحرب النفسية، وفي غالب الأحيان تتخذ هذه الحرب النفسية شكل المهزلة.
إنّ الكيان المؤقت غير قادرٍ على خوض حربٍ حقيقية على جبهة لبنان منفرداً، مع ضمان حسمٍ فضلاً عن ضمان انتصار، كما أنّ الأطراف المتوقع أن تتشجع للانضمام لهذا التحالف، هي أعجز ما تكون عن خوض حروب فضلاً عن تحقيق انتصارات.
وأخيراً فإنّ هذا التحالف يصلح لأن يكون جزءًا من قصص ما قبل النوم للأطفال، لا للتلويح به كعملٍ من أوراق الضغط لإمبراطوريةٍ عظمى، تتجه نحو الأفول، ومحور القدس يدرك يقيناً، أنّ الكيان منفرداً لا يختلف عجزاً إن اجتمعت له عواصم الانبطاح، وكذلك يدرك الكيان، أنّ اجتماع تلك العواصم له، غبارٌ ستذروه الرياح مع أول صاروخٍ يصيب عمق الكيان في حربه الأخيرة.