أجندة بايدن، وما حملته من أهداف ومخططات تستهدف أمن المنطقة واستقرارها، كانت واضحة تماماً قبل أن يبدأ جولته ويلتقي المسؤولين المعنيين، سواء داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو في الرياض، بحكم القواسم الإرهابية المشتركة التي تجمع الجانبين الأميركي والصهيوني، وما سمي بـ”إعلان القدس” للشراكة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وما تضمنه من التزام أميركي دائم “بأمن إسرائيل”، والحفاظ على تفوقها العسكري النوعي، والعمل معاً على مواجهة إيران، يختزل السيناريوهات الجديدة المعدة لمواصلة استهداف شعوب المنطقة، وتكريس وجود الكيان الصهيوني كقاعدة إرهاب متقدمة للولايات المتحدة، والغرب على وجه العموم.
بايدن، وإلى جانب هدف الضغط على حلفائه من بعض العرب لزيادة إنتاج النفط، وتأمين البديل من الغاز الروسي لأتباعه الأوروبيين، انصب اهتمامه على مسألة دمج الكيان الصهيوني مع شعوب المنطقة عبر تسريع وتيرة التطبيع، وإقامة “تحالف” استراتيجي موجه ضد إيران، ومحور المقاومة، وإعطاء “إسرائيل” دفة القيادة بهذا الحلف، ليكون هذا الحلف بدوره شريكاً لـ”الناتو” في حربه المعلنة ضد روسيا عبر البوابة الأوكرانية، وهذا من شأنه أن يبقي أبواب المنطقة مفتوحة على المزيد من الحروب والفوضى، التي تسعى الولايات المتحدة لإطالة أمدها، بما يخدم تكريس هيمنتها ونفوذها في المنطقة.
القضية الفلسطينية، لم تكن على جدول أعمال جولة بايدن سوى في إطار الاستهلاك الإعلامي، إذ لم يبد أي رغبة في العمل الجاد على اتخاذ أي خطوات حقيقية تعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، وإنما الدفع قدماً نحو شرعنة الاحتلال الصهيوني، وتكريس وجوده، وما يترتب على ذلك من مخاطر جسيمة تهدد أمن واستقرار المنطقة ككل.
وهنا يبرز سؤال يتوجب على بعض الرؤساء والقادة العرب المشاركين في اجتماع جدة الإجابة عنه: “هل تخدم مسألة تعزيز التعاون والشراكة بين بعض الأنظمة العربية والولايات المتحدة -الداعمة للجرائم الصهيونية- مصلحة شعوب المنطقة؟”، ما دامت الإدارة الأميركية تسعى للحفاظ على أمن “إسرائيل” وتفوقها العسكري النوعي على حساب الأمن العربي ككل، وأيضاً هل الانجرار وراء الرغبة الأميركية في إنشاء تحالفات عسكرية وأمنية واقتصادية، يساعد في إرساء الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي؟، لاسيما أن الولايات المتحدة لطالما اتكأت على حلفائها في تنفيذ سياساتها المدمرة للعلاقات الدولية.
حان الوقت لأن تدرك بعض الدول العربية أن واشنطن تسعى دائماً لتحقيق مصالحها ومشاريعها الاستعمارية على حساب أمن ومصالح حلفائها وشركائها، وبأن استمراء البعض العربي في أن يكون رأس الحربة لتنفيذ الأجندات الأميركية، لن يجلب لشعوبهم الأمن والسلام، ولن يجعل منهم أبداً حلفاء موثوقين، وإنما مجرد أدوات تنتهي صلاحيتها فور انتهاء دورهم الوظيفي.