على جمر تداعيات الحرب في أوكرانيا تسير القارة العجوز حافية على زجاج الأزمة وشظايا ارتداداتها، فلهيب شح الموارد وعوز الطاقة بات يصفع بقوة وجوه حكامها، والذعر من شتاء قارس على الأبواب بات يؤرق سياسييها ويفزع مواطنيها، فهذه الدول التي اختارت أن تحجز لها مكاناً في عربة الهيمنة الأميركية، وارتضت الاصطفاف على ضفة غلو تسلطها، باتت تعاني لسعات السموم الأميركية و تحتسي مرارة كأس العقوبات الارتدادية، بعد أن ظنت حماقة أنها ستسقيه لموسكو.
” العقوبات التي فرضناها على موسكو عادت كرصاصة إلى رئتينا .. بتنا نختنق لم نعد قادرين على التنفس” بتلك العبارات اختصر الرئيس الهنغاري فيكتور أوربان واقع الحال الأوروبي الذي يعاني سكرات العجز والإفلاس الحاد.. وأصوات أوروبية كثيرة في المانيا ورومانيا وغيرهما بدأ يعلو صراخها خوفاً وخشية من قادم أيام ينذر بالأسوأ، لم تفكر الدول الأوروبية أنها ستصل إليه ولم تجر جردة حساب منطقية لخساراتها المنتظرة وهي تصفق لاستطالات الباطل الأميركي بتوسع نفوذ الهيمنة على حساب اقتصاداتها واحتياجات مواطنيها.
لم تتمكن فيروسات العقوبات الأميركية الغربية من متانة الاقتصاد الروسي، ولم تنل من مناعة وقوة تحالفات موسكو الاستراتيجية، فثمة جغرافيا سياسية استراتيجية وجغرافيا اقتصادية ارتسمت حدودها وتحالفات قوية تعمقت لتعيد صياغة المفاهيم وترسيخ قوة الحقوق بمنأى عن رغبات واشنطن بالبقاء صخرة تكتم أنفاس الدول وتكبل إرادات التحرر من الهيمنة المستبدة.
و ما قبل العملية العسكرية الروسية ليس كبعدها، فالشراك التي ظنت واشنطن أن موسكو انزلقت إليها وقعت هي وبيادقها الغربيون فيها وسيدفعون تكاليف تبعاتها.
مخاض جديد لعالم متعدد الأقطاب باتت تفرضه قوة تحالفات وتلازم مسارات ستكسر قيود العنجهية وتفلت خيوط لعبة الهيمنة من أيدي عتاة الإرهاب الدولي، وكرات النار التي تجهد أميركا لدحرجتها فوق منطقتنا والعالم، باتت تحرق قش القطبية الأحادية و السطوة العدوانية.