الملحق الثقافي- مها محفوض محمد:
لا يختلف اثنان على أن البيت الأبيض مقر الرئاسة أو الإدارة الأميركية لايحمل من اسمه شيئاً في السلوك الدبلوماسي والإنساني، بل يكاد يكون البيت الأسود، تاريخه ليس نظيفاً ولايمكن أن يكون كذلك، عبر خمسة قرون من تاريخ القتل والإبادة التي تمارسها الإدارات الأميركية المتلاحقة، لم يصمت الكتاب والمفكرون حول ذلك، فكيف يبدو البيت الأبيض فعيون بعض المبدعين، في هذا المقال الاستعادي نجد الكثير
يقول جون ستوفر أستاذ الأدب الأميركي:
(إن التاريخ العرقي للبيت الأبيض يمثل رمزاً دالاً على التاريخ العرقي للأمة الأميركية)
واليوم مع دخول أول رئيس أسود إلى البيت الأبيض كان الحدث رمزاً قوياً توقف عنده الكثيرون، حتى أوباما نفسه قال خلال حملته الانتخابية: إنه يتخيل من وقت لآخر كيف ستلعب ابنتاه على المرج الأخضر الواسع في هذا الصرح الكبير والذي بني بجزئه الأكبر بسواعد العبيد، وكان جون ماكين عند اعترافه بهزيمته في تشرين الثاني 2008 وأثناء خطابه قد تذكر الرئيس تيودور روزفلت عندما دعا في العام 1901 الكاتب الأسود ت. بوكر المدافع عن حقوق الزنوج الأميركيين كيف ضجت الصحف في اليوم التالي ووصفت ذلك بأنه أسوأ فضيحة على الإطلاق، ألا وهي دعوة زنجي ليجلس إلى طاولة مواطن أميركي أبيض.
بعد هذا الحدث بثلاث سنوات كتب الرئيس الديمقراطي غروفر كيلفلاند رسالة إلى مجلس الشيوخ يقول فيها: إنه لا يمكن أن يقدم على فعل مشابه، وكما يعلم الجميع فإن البيت الأبيض هو المقر الرسمي لرئيس الولايات المتحدة الأميركية منذ جون آدامز خليفة جورج واشنطن الذي أقام في البيت الأبيض في الأول من تشرين الثاني عام 1800 وبقي هذا المقر الضخم (الكلاسيكي الحديث) ممنوعاً على السود ما عدا الخدم العبيد الذي كانوا يعملون في خدمة الرئيس وزوجته حتى عام 1850 أي إلى زمن الرئيس زاكاري تايلور حيث كان معظم الخدم من العبيد وكانوا يقيمون في قسم مخصص لهم في الطابق الأول لا يختلطون بأحد، وأول شخصية سوداء مهمة تدعى إلى المنزل الرئاسي كانت فريدريك دوغلاس في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حيث التقي ابراهام لينكولن.
دوغلاس هذا الذي أصبح كاتباً شهيراً وقائداً لحركة تطالب بالعدالة وإلغاء العبودية وتحرر المرأة دعي ثلاث مرات إلى البيت الأبيض، إلا أن المقابلة الأخيرة له كادت ألا تحصل، حيث كان الموعد يوم الاحتفال بإعادة تنصيب الرئيس، فاعترض الحرس دوغلاس وكادوا أن يطردوه لولا تدخل الرئيس شخصياً.
عقود من الزمن بعد هذا الحدث لم يشهد البيت الأبيض دخول أسود إليه سوى مطربتين شهيرتين هما سيليكا وليامز وسيسيرتا جونز، لكن أي منهما لم تدع إلى مائدة العشاء.
وبعد مرور أكثر من قرن على تدشين البيت الأبيض تطالب مديرة المكتب الخاص للرئيس ويلسون (1913 – 1921) بعدم اختلاط الموظفين السود مع البيض في البيت الأبيض، وألا يأكلوا معاً ولا يجلسوا سوية، بالمقابل قامت ايلينور روزفلت بتسريح الخدم البيض وأمرت أن يكون جميع الخدم من السود.
بعد الحرب واستقلال العديد من الدول، تبدل المسرح الدبلوماسي في واشنطن، وأصبح عدد من رؤساء الدول وموظفي السفارات يزورون البيت الأبيض ويتناولون الطعام فيه، بل حتى يقضون الليل، وبدءاً من أعوام الستينيات دخل السود في الكونغرس، وفي الطواقم الحكومية، وبدؤوا يرتادون المكتب البيضاوي حيث يجلس الرئيس، والجميع يذكر كيف أجهشت سارة فوكهان بالبكاء عندما خصصت لها غرفة في البيت الأبيض في حزيران 1965 وأثناء نحيبها أمام الرئيس جونسون راحت مغنية الجاز الشهيرة تفسر سبب البكاء بالقول: إنها قبل عشرين عاماً لم يكن يسمح لها بالإقامة حتى في أحد فنادق واشنطن، وفي عام 1973 وحسب نيويورك تايمز كان الفنان سامي ديفيس أول مدعو من أصل إفريقي يبيت ليلته في البيت الأبيض وقال فيما بعد وعلى سبيل النكتة: إنه رفض النوم في غرفة الرئيس لنكولن الذي حرر العبيد، لكن ليس لدرجة أنهم سينامون في سريره.
آخر مثال على كسر هذا الحاجز هو تعيين امرأة سوداء تدعى ديزيه روجرز مديرة لشؤون الاستقبال والإقامة في البيت الأبيض، وبالطبع كانت تلك المرة الأولى التي تحتل فيها أميركية من أصل إفريقي هذا المنصب..
كل ما جرى من محاولات لتنظيف هذا السلوك وغسله، لا معنى له، فالواقع يقول غير ما يفعله الإعلام الاميركي، إنه البيت الأبيض بالسلوك الأسود.
العدد 1104- 26-7-2022