الثورة – رنا بدري سلوم:
مسكت الريشة بيدها، مزجت الألوان، حتى طغى السواد على لوحة حياتنا التشكيليّة والثقافيّة والفكريّة، إنها الحرب التي لم تشلّ يدها بعد، لا تزال تغير مجرى الحياة، وما كان للأدب إلا تأريخ فعلتها إما بلغة رماديّة أو لغة غاضبة، فتحول الأدب السوري إلى سلاح آخر في وجهها، بل حبل مشنقة لها.
لم أتصفح كتاباً في فترة الحرب على سوريّة، إلا وطغت لغة الشهادة، الموت، التحدي، المواجهة، الألم، الاستياء، أدبنا كان وليد الحدث يندد ويدافع، بأسلوب شفيف شائق وممتع، ومن يطلع على العناوين الصادرة خلال تلك الفترة يدرك تماماً معنى أن تكون الحرب قد مرت من هنا، تركت ما تركته وخلقت ما خلقته “وأتفق مع وليام شيكسبير” أعظم أخطاء المعلمين أنهم دَرَّسونا بلاغة الكلام، ولم يُدَرِّسونا بلاغة الصمت!” لم يصمت حبر دواتنا التي امتزجت بدماء الشهداء، فكانت الكلمة بليغة حد الوجع، كانت ردة فعل وعقل في آن، امتزجت أبجدية وطن مع فلسفة فكر حرّ ووجدانيات إنسان، هكذا كان واقع الكاتب السوري؟ الذي لطخت الحرب فكره، ففاض بنوابغ إبداعه، فكيف كان واقع الكتاب منتج هذه الحرب لقارئ عازف عنه؟ وكيف تمحورت العناوين الصادرة خلال تلك الفترة؟ وما مستقبل هذه المنتجات الأدبيّة وصعوبات إنتاجه؟ وإشكاليات توزيعه بل وترجمته وتصديره للعالم كي يتسنى له أن يقرأ الحرب الشعواء التي لا تزال حتى اليوم تدمينا؟
يؤكد رئيس الهيئة العامة السوريّة للكتاب الدكتور نايف ياسين وفي تصريحه للثورة حول تلك القضايا “أن جزءاً كبيراً من الأعمال الإبداعيّة التي كتبت خلال الحرب العدوانية على سورية قد يغلب عليها الطابع الآني، فبرأيه أنه في كثير من الأحيان هو تعبير انطباعي عن التأثر بما جرى ويجري، وهذا إما يكون نابعاً من تجربة شخصية خاضها الكاتب، وبالتالي فهو محكوم بطبيعة هذه التجربة، وقد تكون الكتابة إما حماسية، أو غاضبة، أو ساخطة، أو متألمة، أو محبطة أو يائسة، وفي كل هذه الحالات، يصعب أن تقدم مثل هذه الكتابات العمق الإبداعي الذي يميّز الأعمال العظيمة، فعلى رأي الكاتبة الأميركية مايا آنجيلو: “الكتابة الغاضبة ليست كتابة جيدة، ينبغي للتجربة أن تبرد قليلاً كي يستطيع المبدع أن يحوّلها إلى كتابة تتجاوز الآني وتعبّر عن العمق الإنساني بدرجة أكبر من الصدق”. مستشهداً الدكتور ياسين بالكاتب الأميركي “إرنست همنغواي” بمقولتين: ” إن على الكاتب أن يفهم لا أن يحكم” و “إن الكتابة بمثابة رأس جبل الجليد مما يعرفه الكاتب” بمعنى أن النص الأدبي يوحي بالمعرفة ويلمح إليها ولا يسردها، وإذا طبقنا هذين المعيارين نجد أن جزءاً ليس باليسير مما يكتب يفتقر إلى الفهم العميق والنضج، وهذا بالطبع رأي انطباعي، أما الدراسات النقديّة الجادة والموضوعية لما يكتب فهي أيضاً محدودة حتى الآن.
أما عن بعض الدراسات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصادية فقد تفتقر إلى الموضوعية والعمق، ولذلك فإن بعض أفضل الكتب التي كتبت عن الحرب على سورية هي الكتب التي كتبها أجانب وترجمها مترجمون سوريون، بسبب تنوع المصادر المتاحة للكاتب الأجنبي بحسب الدكتور نايف ياسين.
وعن أهمية الكتاب في زمن الحرب فيجد رئيس الهيئة العامة السورية للكتاب أن تراجع هذه الأهمية عند القراء والكتّاب على حد سواء، ففي حالات الحرب والتردّي الاقتصادي لا يعود الكتاب أولويّة، لكن إذا توخيّنا الدقّة، فالكتاب لم يكن أولويّة بالنسبة للأغلبية الساحقة من السوريين حتى قبل الحرب، ثم إن أثره أصبح محدوداً في ضوء طغيان وسائل التواصل الاجتماعي وما تقدّمه من مادة سهلة سريعة لا تتطلب الكثير من الجد والتدقيق، وبطبيعة برمجة وسائل التواصل الاجتماعي فإنها تقدّم لمتابِعيها المواد التي يفضلها، وبالتالي فهي تغذي تحاملاته بدلاً من أن تعمق معرفته.