الثورة _ فؤاد مسعد:
تباين كبير وقع بين مواقف الكتاب حول أهمية ورشات الكتابة للأعمال الدرامية سينمائية كانت أم تلفزيونية ، بعضهم رأى أنها تمتلك القدرة على خلق المختلف وتتماشى مع روح العصر وتشكّل الحل الأمثل للخروج من أزمة النصوص التي كثيراً ما تم الحديث عنها ، في حين أكد آخرون أهمية وجود كاتب واحد للنص حفاظاً على خصوصيته منبهين من حالة ضياع قد تصيب السيناريو إن تمت كتابته ضمن ورشة. ولكن ماذا عن الحالة السورية وهل تعتبر ورشات الكتابة اليوم واحدة من حلول أزمة النصوص أم أنها تعمّق الأزمة ؟ وهل يمكن أن تحقق الورشات حالة أكثر تكاملاً وإبداعاً أم أنها ليست سوى موضة وتقليد سطحي للغرب؟ هل مستقبل كتابة السيناريو سيكون عبر الورشات التي ستلغي بحكم الضرورة أي خيار آخر أم أن الأمور لا تُقاس بهذه الطريقة فلكل حالة (قبّانها) وما يصح هنا قد لا يصح هناك ؟.
ـ الحل الوحيد :
تشير الكاتبة د.رانيا الجبان إلى أنها منذ أكثر من عشر سنوات وهي تؤكد أن الورشات تعتبر الحل الوحيد لأزمة النص ، فالكتّاب الكبار لم يعودوا يكتبون أو كتبوا نصاً واحداً خلال تلك الفترة موضحة أن مرد ذلك قد يكون بسبب الإنتاج السيء ، تقول : (وجدت أن الحل الوحيد والأفضل هو ورشات الكتابة وقد اشتغلت على هذا الأمر وعملت دبلوم السيناريو في معهد دراما رود) ، وحول أهمية الورشات تتابع : (بالإضافة لموضوع الانتهاء من أزمة النص فالطريقة الحديثة في الكتابة تحتاج إلى تكثيف للتكنيك التقليدي وهو أمر يحتاج إلى خيال ، ولا تستطيع الاعتماد على خيال كاتب واحد ، ولكن في ورشة الكتابة تعتمد على خيارات كثيرة مما يعطي زخماً أكبر للنص ، فالكتابة الحديثة باتت أكثر ثراء وتحتاج إلى التجديد بسبب المنصات والشرط الإنتاجي الجديد) . أما عن الشروط الواجب توافرها في ورشة الكتابة للخروج بنص مميز ، فتؤكد أن الشرط الرئيس وجود كاتب مشرف على الورشة (ليدر) يعرف كتّابه جيداً ويفهمهم ، وبالتالي عندما يتم الطلب لإنجاز نص كوميدي أو أكشن أو رومانسي يستطيع وضع كل كاتب في مكانه المناسب ، تقول : قد يحدث في الورشة العديد من المشكلات خاصة أن كل كاتب لديه (الأنا) عالية ، ولكن بما أن العمل جماعي فعلى (الليدر) صهر هذه الأنا الفردي في الأنا الجماعية كما عليه معرفة نقاط القوة عند كل فرد في الورشة ليوظفها بشكل صحيح ، وأن يخلق حالة عالية من الهارموني فيما بين الكتّاب .
ـ حالة احترافية :
يقف الكاتب خلدون قتلان إلى جانب ورشة الكتابة شرط أن تكون احترافية وقادرة على تقديم مُنتج إبداعي مهم ، يقول : (إن تم بناء الورشة على حالة احترافية مع محترفين فهي تشكل حالة إنقاذ ، أما إن أتينا بمبتدئين لنحاول من خلالهم إنجاز ورشة فلن تكون هي الحل ، لأن نجاحها يتوقف على القائمين عليها وكيف يفهمونها فهي عمل تشاركي ولكل وظيفته فيها) ، وعن شروط الورشة الناجحة يقول : (أولاً ينبغي أن يؤمن الجميع بفكرة الورشة المُقامة وأن تُلغي فيها “الأنا” رغم أنه من الصعب إلغاؤها في قطاعاتنا الفنية لأنها دائماً مرتفعة عند الجميع ، وثانياً مع أن تكون مع محترفين لديهم هم ومشروع فكري وفني وهدفهم أن يساهم عملهم في رفع السوية ، ولكن اليوم نحن نفتقد هذا الأمر فليس لدينا من يفكر بإنجاز مشروع فني ، وللأسف عندما تجد من لديه مشروع فكري وتنويري ويقدمه يأتي المخرج أو المنتج ويخفف له من ألق مشروعه) . حول إن كان المستقبل لورشات الكتابة وتراجع نصوص الكاتب الواحد ، يقول : المستقبل اليوم لصاحب الفكر التنويري سواء أكان فرداً أم ورشة ، ولكن مشكلات الدراما السورية اليوم ليست مشكلات نص وإنما مشكلات فكرية جوهرية ، فليس لدينا مشاريع فنية فكرية هدفها النهوض بهذه الدراما.
ـ اختيار الأفضل :
المخرج السينمائي الشاب حسام شرباتي ، يقول : مما لا شك فيه أن ورشات الكتابة حالة صحية جداً لأنك من خلالها تشارك أفكاراً مع أشخاص ينبغي أن يكونوا على روح واحدة وهناك ما يجمع بينهم ويشتركون فيه مما ينعكس بالإفادة على العمل إن كان تلفزيونياً أو سينمائياً ، وهذه التجربة موجودة في مصر التي أنجزت تجربة ورش الكتابة في المنطقة العربية ، وبالنسبة إلي فقد شاركت في عدة ورشات كتابة وأرى أنها تجربة صحية ومثالية وتُقدم تجارب أهم ، كما أنها تساعد على عملية الخلق والعصف الذهني بحيث يعطي كل مشارك أفكاراً بنّاءة لتطوير المشروع ، فأحياناً عندما يتورط الكاتب مع شخصياته بشكل أكبر يصبح غير قادر على الابتعاد عنها ليحاكم الأمور بمنطقية ، في حين أن الورشة تساعدك على محاكمة الأمور بمنطقية أكبر فترى الأمر من عدة وجهات نظر ويتم اختيار الأفضل بينها.