لا تكف الولايات المتحدة الأميركية عن محاولاتها المستمرة لإشاعة وترسيخ التوتر والفوضى والأزمات حول العالم، فهذا النوع من المحاولات هو سياسة استراتيجية معتمدة فيما يسمى الدولة الأميركية العميقة، فبعد افتعال الصراع الروسي -الأوكراني قبل نحو ستة أشهر، ورغم ما يعانيه العالم اليوم من تداعيات هذا الصراع سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وما تدفعه شعوب العالم من أثمان باهظة نتيجة تأجيج أميركا وحلفائها لنيران هذه الحرب، ينصب اهتمام إدارة بايدن اليوم نحو تأجيج بؤر توتر جديدة و لاسيما بين الصين وتايوان – الجزيرة الصينية المستقلة من جانب واحد – وذلك ضمن سياسة أميركية متعمدة للضغط على العملاق الصيني وإلهائه في حرب تشعل شرق العالم وتزيد مساحة الخراب على كوكب الأرض.
الطموح الأميركي لمحاصرة الصين وعرقلة تطورها الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي وإضعاف دورها الريادي على الساحة العالمية ليس بالجديد، بل يمتد لعقود طويلة، وقد كان هذا الطموح في صلب اهتمام إدارة أوباما التي شغل فيها بايدن منصب نائب الرئيس، وها هو اليوم يتجدد عبر تشجيع تايوان على اتخاذ خطوات أكثر بعداً عن مبدأ “الصين واحدة”، وهو ما لن تسمح به بكين تحت أي ظرف من الظروف، الأمر الذي قد يفجر الأوضاع ويقود الكرة الأرضية إلى كارثة جديدة قد لا تستطيع البشرية تحمل تبعاتها غير المتوقعة.
فالزيارة المرتقبة لنانسي بيلوسي “رئيسة مجلس النواب الأميركي” إلى تايوان تأتي في هذا السياق، إذ ليس متوقعاً أن تسعى المسؤولة الأميركية مع المسؤولين في تايبي لتقريب وجهات النظر بين الجزيرة المنفصلة من جانب واحد مع وطنها الأم، بل تندرج زيارتها في إطار التحريض وتوسيع هوة الخلاف بين الجانبين، على أمل الدفع بالتوتر في هذه المنطقة المتوترة أصلاً إلى أعلى مستوى، واستثمار ذلك في صفقات تسليح يسيل لها لعاب شركات السلاح الأميركية مفجرة الحروب والأزمات في العالم.
لقد بات العالم يدرك من هي الجهة التي تريد دمار البشرية وزيادة معاناتها، وهو ما يتطلب تحركات نشطة على المستوى الدولي والأممي للحدّ من السياسة الأميركية الخطرة، فالعالم اليوم يصارع التداعيات المؤلمة للحرب الأوكرانية وهو أحوج ما يكون لتجنب تداعيات أزمة جديدة في شرق العالم سيكون لها – إن حدثت – وقع الكارثة على مستقبل العالم وشعوبه.