من منظور استراتيجي أميركي تشكل كل من روسيا وجمهورية الصين الشعبية القوتين المنافستين الحقيقيتين للولايات المتحدة الأميركية، وهو ما تشير إليه كل الدراسات الصادرة عن مراكز الأبحاث الأميركية المتخصصة، وكذلك ما يجري على لسان الساسة الأميركيين، ولا تقف الأمور عند هذا الحد بل تتعداه إلى وضع استراتيجية مواجهة لذلك التحدي الحقيقي لجهة لجم تلك القوتين ومحاصرتهما وجعلهما تنكفآن نحو الداخل أو إضعافهما عبر تورطهما أو توريطهما في صراعات داخلية أو جرهما لحروب خارجية عبر اتباع سياسة إشعال الحرائق في المحيط الجغرافي لكلتا الدولتين العظميين، ولعل ما جرى في أوكرانيا وما يجري حالياً من خلال زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي بيلوسي لجزيرة تايوان التي تعتبر جزءاً من البر الصيني وما شكلته من استفزاز للشعب الصيني وعدم احترام لسيادته هما أكبر دليل على تلك السياسة العدوانية وطريقة التفكير الأميركي في إدارة العلاقات الدولية.
من هنا تأتي أهمية تحالف المتضررين من الهيمنة الأميركية عبر قوة اقتصادية عسكرية وتكنولوجية، ولعل العنصر الثالث أي القوة التكنولوجية وهو ما لم تتمكن منه روسيا في حين أن جمهورية الصين الشعبية قد تمكنت من تحقيقه ما جعلها أكثر قوة في مواجهة الاستفزازات الأميركية ومكنها من أن تشكل نافذة أساسية لتجاوز العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، فالصين هي الدولة الأكثر تأثيراً لتخفيف آثار تلك العقوبات، ما يعني أن روسيا لن تتأثر كثيراً بها مع إدراك الصين حقيقة أن انتصار الغرب على روسيا سيجعله يتجه نحوها لإضعافها لذلك يكون فشل الغرب في إخضاع روسيا هو لمصلحة الصين.
لذلك نرى سعى أميركا الحثيث لدق اسفين بين روسيا والصين للانفراد بكل واحدة منهما وإضعافهما لتبقى أميركا القطب الوحيد المهيمن على المشهد الدولي من هنا يصبح الاعتقاد أن الصين ستبرز أهم قوة منافسة لأميركا في عالم يتشكل من جديد أمراً غاية في الأهمية لجهة أن الغرب سيضعف بضعف روسيا اقتصادياً بوصفها أكبر مزود للطاقة والحبوب والأسمدة في العالم وكذلك ثاني أكبر مصدر للسلاح ما يجعلها ستحصل على ما طلبته دبلوماسياً عبر القوة العسكرية وهذا واضح من خلال تصريحات الرئيس الأوكراني، فالربح الاستراتيجي الروسي أهم من الخسائر الاقتصادية التي هي طارئة ويمكن لدولة بحجم ومكانة روسيا تجاوزها كما هو حاصل حتى الآن على الأقل.
إن نجاح روسيا في تحقيق أهدافها سوف يظهر ضعف الغرب وأميركا في مواجهة دولة تحدت الغرب في أن يستطيع لي إرادتها السياسية ما يعني ضعف أميركا أمام حلفائها في العالم، ويعزز من دور الصين وروسيا على المستوى الدولي ما يشكل بداية وإرهاصات أولى لعالم ثلاثي الأقطاب وكتلة أوراسية وازنة وفاعلة وقادرة على استقطاب دول أخرى لتشكيل سلة تحالفات سياسية واقتصادية وعسكرية قادرة على فرض توازن حقيقي في العلاقات الدولية شريطة أن يترافق ذلك مع الاتفاق على سلة عملات بديلة عن الدولار الأميركي الذي يشكل في حقيقة الأمر السلاح الأقوى الذي تمتلكه أميركا كأداة هيمنة اقتصادية وسياسية منذ اتفاقية بروتن وودز منتصف أربعينيات القرن الماضي وحتى العصر الحاضر.