الثورة – تحقيق – جهاد اصطيف:
باتت قصة “الأمبيرات” والمولدات في حلب على ما يبدو مثل حكاية “إبريق الزيت”، فبين انخفاض ساعات التغذية بالتيار الكهربائي وارتفاع سعر المازوت طبعاً في السوق السوداء، يدور أصحاب المولدات ومعهم المواطن الغارق بالهموم أصلاً ليغرق في دوامة دفع ثمن “الأمبيرات” نهاية كل أسبوع، والسؤال على من يقع اللوم؟ على من يتهمهم المشتركون بهذه الخدمة بالجشع؟ أم على وزارة الكهرباء التي تقدم الخدمة وفق إمكانياتها، أم على الجهات المعنية التي لم تعد تستطيع فرض تسعيرة على أصحاب المولدات تكون أقرب إلى الواقع منها إلى الوهم؟ أم على التجارة الداخلية التي تقف عاجزة عن محاسبة أصحاب المولدات؟.
تعرفة ولكن !..
تعرفة “الأمبيرات” الاعتباطية باتت اليوم الهم الأكبر للمواطن في حلب بعد هم الأكل والشرب وربما قبلهما، فقد يجد المواطن في النهاية ما يسد رمقه، لكن من يؤمن له الكهرباء، ومن يدفع عنه أو معه تكلفة ” الأمبير ” الذي لا غنى عنه، خاصة في هذه الأجواء اللاهبة؟ فضلاً عن أن الكثيرين فضلوا مكرهين ترك الاشتراك ومنهم من خفض الخدمة من ثلاثة ” أمبيرات ” إلى ” أمبير ” واحد بالكاد يكفي لتشغيل لمبة وتلفزيون، ليبقى السائد هذا الواقع المؤلم الذي على ما يبدو لا يلوح في عتمته أي بصيص ضوء.
تفرض فرضاً..
إذاً تعرفة “الأمبيرات” باتت هي الأخرى قضية متشعبة جداً تضع المواطن في مواجهة مباشرة مع أصحاب المولدات بدل أن تكون مواجهتهم مع أي جهة معنية وباتت تفرض فرضاً، وقصص المواجهة بين الطرفين لا تنتهي، وأخبار ” هيمنة “أصحاب المولدات على هذه المسألة بالذات يرويها المواطنون في حلب بحماسة منقطعة النظير، ففي حي الحمدانية بحلب يروي “عمر ” أن أصحاب المولدات رغم تقاضيهم الأسعار الخيالية لم يعودوا يعوضون ساعات التشغيل أو أن يخفضوا من التسعيرة حتى وإن حدثت أعطال في المولدة، وما أكثرها، وإن كان هناك تحسن ما قد يطرأ على التيار الكهربائي، ويردف “عمر” قائلاً: يأخذ صاحب المولدة التعرفة مقطوعة ولا يتقيد بأي برنامج للتقنين، بل يخضع البرنامج لمزاجه الخاص وقد يتغير كل يوم، فهو من بات “يتحكم ” بالناس وشعارهم ببساطة كما يقول عمر “ما عجبك شيل القاطع”!.
ليست الحكاية الوحيدة..
لا شك أن هذه الحكاية ليست الوحيدة في حي الحمدانية، فمثلها الكثير وهي منتشرة ” كالنار في الهشيم” بمختلف أحياء حلب، من شرقها لغربها ومن جنوبها لشمالها، وهذا واقع لا يمكن إنكاره، فها هو ” أحمد ” من سكان حي صلاح الدين، خفض اشتراكه بـ ” الأمبير “، وأبقى على اشتراك ” أمبير ” واحد سعره ” ١٨ ” ألف ليرة أسبوعياً، بسبب ارتفاع أسعار الاشتراكات خلال الأسابيع القليلة الماضية، وأردف قائلاً: إذا ارتفع سعر الاشتراك مرة أخرى سأضطر إلى إلغائه بشكل نهائي، رغم أني مريض ولا أستطيع الاستغناء عن هذه الخدمة لأنني بحاجتها فعلاً، وحقيقة الأمر كما يقول “أحمد ” أن أصحاب المولدات لا يراعون أبداً الظروف المعيشية القاسية التي يعاني منها المواطن.
أسعار خمس نجوم..
ولنبتعد قليلاً عن الحكايات المأساوية التي يعانيها كل رب أسرة بحلب سنمر مرور الكرام ونسرد عينة بسيطة لسعر ” الأمبيرات ” التي جاز لنا أن نطلق عليها أنها باتت من صنف ” الخمس نجوم “، فوصل سعر ” الأمبير ” الواحد إلى أكثر من ” ٢٠ ” ألف ليرة في بعض الأحياء، مع إمكانية أن يصل سعر الاشتراك إلى نحو ” ٢٥ ” ألف ليرة للأسبوع الواحد، ففي حي الجميلية يتراوح ” الأمبير بين ” ١٥ ” و” ١٨ ” ألف ليرة، وفي حي السريان قد يصل إلى ” ٢٠ ” ألف ليرة، بينما في حي الشهباء فقد يفوق المبلغ أكثر بقليل.
ذرائع ليس إلا..
ولطالما يتذرع أصحاب المولدات عند رفعهم أسعار الاشتراكات، بشرائهم ليتر المازوت بخمسة أو ستة آلاف ليرة : طبعاً من السوق السوداء” ، فضلاً عن غلاء الزيوت الصناعية والأجور والتصليح وقطع الغيار وغيرها، كلها مجتمعة على ما يبدو سيدفعها المشترك المسكين، من جيبه الخاص، لأن أصحاب المولدات ومن لف لفهم غير آبهين أو بالأحرى ليس بمقدورهم أن يخسروا ولو ” قرشاً” واحداً من جيوبهم على حساب المشتركين.
حتى أن الشكاوى على أصحاب المولدات لم تعد تنفع لرفعهم سعر ” الأمبيرات “، بحسب ما قاله ” محمد ” من سكان حي الأشرفية، وأضاف إن أصحاب المولدات يستمرون برفع التسعيرة بسبب غياب الرقابة، وحتى إنهم يواجهون تساؤلات المواطنين حول ارتفاع الأسعار بالطلب منهم إلغاء اشتراكاتهم، ويؤكد ” محمد ” إذا استمر الوضع هكذا فأعتقد أن الكثيرين سيلغون اشتراكاتهم بشكل نهائي.
الرقابة ثم الرقابة..
وعن دور مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بهذه القضية أوضح المهندس “ممدوح ميسر” رئيس دائرة الأسعار أن المديرية تقوم بشكل أساس بتنظيم الضبط اللازم بحق المخالف في حال ورود شكوى خطية من المواطن، إذا كان صاحب المولدة يتقاضى أجراً زائداً، ومخالفتها تصل إلى السجن لمدة عام وغرامتها +مليون ليرة سورية وفق أحكام المرسوم رقم ” ٨ “، مشيراً إلى أنه على سبيل المثال تم الشهر الماضي تنظيم نحو ” ٩٦ ” ضبطاً، شملت بمعظمها عدم الإعلان عن التسعيرة وعدم إعطاء إيصالات للمشتركين، فيما كانت مخالفات تقاضي الأجر الزائد قليلة جداً.
وبين أن الدوريات الرقابية تقوم بعملها ولا يخلو يوم إلا وتقوم بتنظيم الضبوط بحق المخالفين.
تسعيرة عادلة أين هي؟
وقبل أن نختم نود أن نذكر أن مجلس محافظة حلب سعر “الأمبير” الواحد بنحو ” ١٢٥ ” ليرة للساعة الواحدة حسب آخر تعميم ، والمطلوب أمام ارتفاع سعر المازوت إصدار تسعيرة عادلة جديدة تنصف المواطن وتلزم وتحاسب صاحب المولدة التقيد بها دونما إبطاء.
تصوير : خالد صابوني