تأخذ الولايات المتحدة العالم يوما بعد آخر إلى حافة الهاوية دون الاكتراث بالأخطار الكبيرة لأي حرب عالمية ثالثة على البشرية بعواقبها والمهددة بالفناء للبشرية إذا ما تم استخدام الأسلحة النووية بين الأطراف المتصارعة أو الذي تملك هذا السلاح.
تتركز السياسة الأميركية فقط على تدعيم أدوات الاحتفاظ بالهيمنة على العالم وتتفاعل مع حلفائها أو بشكل أدق مع أدواتها الغربيين وغيرهم على هذا الأساس دون الاكتراث بالخسائر التي سيتكبدونها حاليا ومستقبلا والدليل الحي على ذلك ما يحصل لدول القارة العجوز التي انصاعت بشكل رهيب للسياسة الأميركية المتعلقة بروسيا الاتحادية على حساب شعوبها ومستقبلها.
سياسة الهيمنة أصبحت مرضا لا شفاء منه في الولايات المتحدة إلا بزوالها أو زوال العالم فصناع القرار فيها لا يولون أهمية لعبر ودروس التاريخ ولا معنى في سياساتهم لقيم التعاون والمصالح المشتركة والسيادة وحقوق الشعوب وحريتها وقراراتها المستقلة وحقوق الإنسان إذا كانت تمس بهيمنتها وتسلطها على دول العالم ومنها تلك الدول التي باتت تنافسها على الريادة الاقتصادية والتكنولوجية.
هذه التوجهات الأميركية المدمرة الهادفة إلى إشغال العالم بالصراعات والحروب والأزمات والتحديات للحفاظ على هيمنتها لم تبدأ اليوم وإنما هي جزء أساسي من السياسة الأميركية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ولكنها اليوم أصبحت في رأس أولويات واشنطن بالنظر لما تواجهه الهيمنة الأميركية من منافسة شديدة من أكثر من دولة أو تكتل اقتصادي عالمي.
تدرك الدول الكبرى وفي مقدمتها روسيا الاتحادية والصين أن الولايات المتحدة وهي تفقد جوانب مهمة من عوامل قوتها التي بنت على أساسها هيمنتها على القرار الدولي وخاصة في المجال الاقتصادي والتقني تسعى إلى أشغال منافسيها واتضح ذلك في الأزمة الأوكرانية حيث لم تترك واشنطن لموسكو سوى الخيار العسكري لحماية أمنها القومي وهو ما تسعى إليه مع بكين من خلال محاولة إشعال أزمة مع تايوان ضاربة بعرض الحائط سياسة الصين الواحدة التي كانت تنتهجها خلال العقود الماضية في علاقاتها مع بكين.
من المرجح أن لا تتوقف عمليات التحرش الأميركي بالصين عند زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان وهذا يتوقف على مدى قدرة الدول الأوروبية على الصمود فيما يتعلق بعواقب الأزمة الأوكرانية والمشاكل الناجمة عن العقوبات على روسيا الاتحادية وخاصة في مجال الطاقة وإذا وجدت واشنطن أن الأمور لا تسير وفق خططها على الأرض الأوكرانية فإنها ستعمل على التصعيد في أي منطقة أخرى من العالم والمكان المفضل لها والذي تحضر له هو تايوان وبحر الصين الجنوبي.
وفقا للصحافة الأميركية يشتغل الكونغرس الأميركي على مجموعة من التشريعات والعقوبات ضد الصين وروسيا وهذا دليل على مضي واشنطن في تصعيدها مع الدولتين وبالتالي سيكون بالتأكيد هناك رد على ذلك وهو ما سيعقد الوضع العالمي ويفتح الباب أمام ولادة أزمات جديدة لأن انعكاسات حروب الكبار تنعكس أولا على الدول الصغيرة والفقيرة والنامية وتحديات تراجع النمو الاقتصادي في العالم والفقر وانتشار الأوبئة تؤدي بشكل تلقائي إلى الأزمات والحروب والتوترات.
إن عدم استجابة معظم دول العالم للسياسة الأميركية والغربية المعادية لروسيا هو أمر مهم وجوهري في مواجهة الخطر الأميركي المحدق بالبشرية ولكن مع تطور الأحداث وفقدان شريحة العقلاء والحكماء بين صناع القرار في الولايات المتحدة بالإضافة لضعف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وارتهانها للوبيات الضغط المختلفة يستدعي من الدول التي رفضت الضغوط الأميركية التحرك الفاعل وإيصال رسالة إلى واشنطن بضرورة إيجاد عقار يشفيها من مرض رهن مستقبل البشرية باستمرار هيمنتها على العالم.
قد يرى الكثير من المراقبين أن واشنطن أخذت القرار بربط مستقبل العالم بهيمنتها عليه ولا فائدة من التورط في تقديم النصائح لها أو الوقوف بوجهها ويجب تركها لمصيرها المحتوم كغيرها من الإمبراطوريات السابقة ولكن قد يشكل هذا الخيار خطراً على الجميع وخاصة في ظل استسهال بعض صناع القرار الأميركي التهديد باستخدام السلاح النووي الذي لم يكن موجودا في عهد الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.