الملحق الثقافي – غسان شمة:
يستطيع القارئ القيام بجولة غنية في جبال داغستان بصحبة الكاتب رسول حمزاتوف عبر صفحات كتابه «داغستان بلدي» الزاخر بالقصص والحكايات عن تقاليد وثقافات وموروث البلاد والناس بأسلوب ممتع.. وقد لفتني وصفه لطريقة أحدهم بالقص «سمعنا ما قاله اليوم عشرين مرة أو تزيدن ولكنه يقص بأسلوب جيد يدعونا إلى أن نسمعه حتى المساء»..
عندما قرأت رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للروائي السوداني الطيب صالح أول مرة، ومنذ سنوات بعيدة، شعرت بتلك المتعة التي يحدثنا عنها حمزاتوف ولكن هنا من خلال طريقة السرد الماتعة التي يأخذنا عبره الطيب صالح إلى دروب تلك القرية النائمة على ضفاف النيل، وتشهد جزءاً مهماً من أحداثها التي تقص علينا في النهاية حكاية بيئة خاصة من خلال الحكاية الأساسية لبطلها مصطفى السعيد الذي غزا انكلترا، البلد الغازي لبلده، لكن بطريقته الخاصة ومن موقع رد الفعل الذي وجد في الجنس غزواً معاكساً يحقق فيه انتقامه الخاص باعتبار التماثل بين المرأة والأرض..
في هذه الرواية حكايات تستمد قدرتها السحرية الماتعة من البساطة والعفوية المحسوبة بدقة في تعبير شخصيات أهل القرية عن أنفسهم وفي رسم تفاصيل شخصياتهم بريشة حارة وعميقة، تكشف جوانياتهم بعين من التعاطف ولكن بمرارة في الوقت نفسه من الواقع الذي يعيشونه وتعيشه بلدهم التي تعاني من مشكلات عديدة..
بعض الأعمال تجد متعة متجددة في كل مرة تعود إليها لما تحتل من مساحة في ذاكرتك في فترة معينة، ولذلك تعود إليها بين فترة وأخرى لاستعادة تلك الصورة الجميلة التي ما زالت حارة في ذاكرتك…
العدد 1106 – 9- 8-2022