محمد الوهيبي في ذكراه السابعة.. كثافة حضور الأجواء الملحمية..

الثورة – أديب مخزوم:
مرت في 14/ 8 / 2022 الذكرى السنوية السابعة لرحيل الفنان محمد الوهيبي 1947 ـ 2015 الذي كان يمنح أشكاله المرسومة المزيد من الدراية المهنية والخبرة التقنية لإظهار أدق درجات الدقة في رسم التفاصيل الصغيرة، التي كان يستعيد من خلالها معطيات التراث الفلكلوري والشعبي المهدد بخطر الاندثار والزوال، للوصول إلى مناخية روائية أسطورية، قادمة من معطيات الأزمنة الغابرة في فجر التاريخ.
هكذا شكلت لوحاته، عودة إلى الأجواء التقنية التي اشتهر بها منذ مطلع التسعينات، حين عرض لوحاته وللمرة الأولى في صالة أورنينا في دمشق. ولقد تميزت تجربته في مراحل سابقة بمناخها الاختباري وتنقلها من تقنية إلى أخرى، بين أعمال الرسم بالريشة والألوان، وبين طريقة الرسم بحفر طبقة اللون والوصول إلى بريق اللون المعدني. إضافة إلى انفتاح تجربته على احتمالات تعبيرية تفاوتت بين الواقعية والخيالية والرمزية والبدائية والتجريدية.‌‏
ومن خلال هذا التنوع التقني والتشكيلي كان يجاهر برموز الأزمنة القديمة ويبحث عن بريق لوني معدني ظهر كهاجس رئيسي في مختلف تجاربه المتدرجة من أقصى درجات الدقة في الرسم الواقعي، إلى أقصى حالات التبسيط والاختصار في التشكيل الرمزي والتجريدي. وإذا كان في السابق قد سعى لتوجيه لوحته وحرفها في اتجاه تعبيري واختزالي، فإنه في مراحل لاحقة بدا أكثر التزاماً بالتصوير الدقيق، الذي كان يتقنه ويحدده بخطوط ماهرة وواثقة ومركزة ومختمرة في سياق استعراض قدرته التقنية وإبراز درجات اللون الواحد بحساسية بصرية مرهفة.
كما لو أنه كان يرسم الإحساس ذاته الذي عاشته سورية منذ آلاف السنين.
حيث كان يركز لإظهار رموز العصور القديمة كرحلة حلم في فضاء لوحاته، رموز كثيرة تفسر معالم هذا الهاجس الذي رافق خطواته التشكيلية، المقروءة في فضاءات اللون الواحد وإيقاعاته، وفي إيماءات الرموز الإنسانية والحيوانية، وفي كثافة حضور الأجواء الملحمية البانورامية والمثيولوجية التي تدخلنا في متاهات التساؤلات والتأويلات والاجتهادات.
من الناحية التقنية كان يتابع استخدامه للألوان الطباعية التي يمسح بها لوحته أو يركب بها طبقات الألوان قبل أن يباشر العمل عليها، الشيء الذي يؤكد خصوصيته وعالمه المميز.
ورغم كل ما كان يبرزه من تنوع أسلوبي (من الواقعية إلى التعبيرية الرمزية والخيالية) فقد كان يقدم مرة مشاهد لمناظر خلوية وقروية هي أقرب إلى الأسلوب الواقعي، ومرة ثانية يولف أشكاله بطريقة تخيلية حلمية، ومرة ثالثة يبسط أشكاله الى أقصى حد أو يستعيد إشارات ودلالات الفنون القديمة وفطريتها البدائية، وهذا التنقل بين النمنمة التفصيلية وبين الصياغة المبسطة قدم الدليل على أنه لم يكن يبتغي الربح المادي السريع، بقدر ما يهدف إلى تطوير تجربته والانتقال بها من مرحلة إلى أخرى.‏
وعلى هذا فقد اعتمد على التشكيلات التي تمتد إلى أصول تراثية وتاريخية، ولا تبتعد لوحاته المرسومة بتقنيات التلوين المختلفة عن أجواء لوحاته المشغولة بطريقة حفر طبقة اللون.
فهو في كلتا التجربتين كان يذهب إلى صياغة عناصر المرأة والواقع والأشكال الصامتة بألوان محددة، وبذلك فهو لم يرتكز على الأجواء اللونية الصاخبة ولم يعتمد على التنويع في الألوان إلا ضمن خطة مدروسة تجعل إيقاعات اللون الواحد هو الأكثر حضوراً في اللوحة الواحدة.
واللافت أن البني وتدرجاته لون أساسي في لوحاته الأخيرة، واللون الخافت هنا يتناوب مع إيقاعات اللون المعدني، ويزيد من بريقه ووضوحه ودرجة توضعه في فراغ السطح التصويري.
كأنه من خلال تخيلاته لأجواء المدن القديمة المدمرة والمنسية، كان يريد أن يكون شاهداً على مرحلة مشرعة على كل احتمالات الخراب والتدمير. حيث كان يستعيد في كل مرة أجواء المدن القديمة البائدة ويعتمد إيقاعات اللون البني المحروق ليروي حكايات المدن العصرية المتصدعة والمحروقة والمدمرة والمهددة بالزوال.
لوحات الراحل محمد الوهيبي تكشف عن خطوات إبداعية تحرك بقوة هواجس الحفر نحو الابتكارات الفنية، مع المحافظة على جوهر الفنون القديمة، باعتماده الرسم المنضبط والمتوازن والمحكم الأداء، في معالجة الحالات الإنسانية في نطاقها الجماعي الملحمي، وقد ذهب إلى تقديم مشاهد واقعية في فضائية المشهد الخيالي.
ويطل الشكل الإنساني (لاسيما المرأة) ليتخذ مظاهر تعبيرية درامية أو انطوائية مسحوبة من تاريخ إنساني مثقل بالأحزان.
كأنه من خلال تجسيده للمرأة الرمز كان يريد استرجاع طفولته الضائعة والمقروءة في مظاهر التراث ورموزه الشعبية والفلكلورية. هكذا تتوضح لنا أكثر فأكثر اللوحة التشكيلية التي توصل إليها، وأراد من خلالها اكتشاف معطيات الحضارات القديمة، على هذه الصورة الافتراضية، القائمة على مقدرة أدائية متميزة تومىء بأكثر من أستاذية في الرسم والحفر والتشكيل الفني الخاص.‌‏

آخر الأخبار
"رحمة بلا حدود " توزع لحوم الأضاحي على جرحى الثورة بدرعا خريطة طريق تركية  لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار "أموال وسط الدخان".. وثائقي سوري يحصد الذهبية عالمياً الرئيس الشرع  وعقيلته يلتقيان بنساء سوريا ويشيد بدور المرأة جعجع يشيد بأداء الرئيس الشرع ويقارن:  أنجز ما لم ننجزه الكونغرس الأميركي يقرّ تعديلاً لإزالة سوريا من قائمة الدول "المارقة"   أبخازيا تتمسك بعلاقتها الدبلوماسية مع السلطة الجديدة في دمشق