مرحلة أخرى مثقلة بالضغط وشدّ الأعصاب يعيشها أبناؤنا الناجحون في الثانوية العامة،والآباء هم من بين الأسباب الرئيسية حيث يشتد الخلاف والصراع مع الأبناء على مهنة المستقبل أمام ورقة مفاضلة،هي المحك وعلى أساسها يتقرر مستقبلهم الذي يحدده مجموع الدرجات التي حصلوا عليها،ومن ثم رغبة الآباء، فالأسرة اليوم ومن خلفها المجتمع تلعب دوراً في قوبلة خيارات الشباب وتفضيلاتهم المهنية، حيث يتم الترغيب بأشكال معينة لمهن دون أخرى نظراً للتقدير الاجتماعي الذي يحظى به من يزاولها،والاختصاصات الطبية والهندسية هي الأكثر تفضيلاً في المجتمع، وتبدو التخصصات الأخرى كأنها قليلة الأهمية ويفضل الشباب النزول إلى سوق العمل عن الخوض فيها أملاً في الوصول إلى مستوى مادي يعوضهم عن عدم متابعة تعليمهم الجامعي.
رضوخ شباب اليوم وانصياعهم لرغبات الآباء لتحقيق ما عجزوا عنه يجعلهم في كثير من الأحيان يخبرون الفشل تلو الفشل ويقودهم إلى المعاناة من مشاعر مؤلمة كعدم الثقة بالنفس وتقدير الذات لذلك من الأهمية اليوم في هذه المرحلة إذا لم تكن الأسرة مع خيار ورغبة الأبناء فلا تكن ضد، ولهم وحدهم الحق في خيار المهنة التي تروقهم والقرار النهائي ملك لهم وهم من سيتحمل مسؤولية خيارهم ولو أخطؤوا فإن هذا الخطأ لن يكون شيئاً إذا ما قيس بالآثار السلبية الناتجة عن تحطيم أحلامهم.
ما زال كثير من الآباء يقرؤون على مسامع أطفالهم أنه يجب عليهم أن يحصلوا على مجموع جيد كي يتخصصوا بالطب أو الهندسة دون أن يتحققوا من امتلاك أبنائهم للإمكانات اللازمة، وكذلك المعلمون يثنون على الطالب المجتهد بوصفه دكتور المستقبل بدلاً من مساعدته للتعرف على قدراته وإمكانياته واكتشاف ميوله المهنية وتوجيهها، حيث يعد توفير المعلومات حول مختلف المهن واختبار القدرات أمراً في غاية الأهمية لمستقبل مهني أكثر تطوراً، بكلمات أخرى لا تتوقف إنتاجية الفرد في عمل ما على ميوله الإيجابية نحوه فقط، بل على جملة من العوامل الشخصية والاجتماعية والاقتصادية التي قد تفوق من حيث الأهمية موضوع رغبته في هذا العمل أو ذاك.