في الوقت الذي تتواصل فيه ردات الفعل السلبية على الحفلات الغنائية الهابطة، التي أقيمت مؤخراً في بعض المدن السورية، والتي تحرك المشاعر المتخلفة لدى من يسمعها ويحضرها, نجد في الجهة المقابلة عودة الى الفنون الغنائية الحقيقية المستمرة دون توقف أو انقطاع عبر العديد من الأمسيات (وخاصة في دار الأوبرا والمراكز الثقافية وبعض القاعات الخاصة) التي تقدم كل ما هو ثمين ونفيس ونادر من موسيقا وألحان وأغاني أيام زمان.
ومنذ طفولتنا كنا نقرأ عبارة مفادها: أن الفن مقياس تقدم الشعوب، ولهذا حين انحدرت الأمة، انحدرت الفنون إلى القاع وتوقف الإبداع وشلت يد العطاء وتقطعت أوتار النغم, تاركة الأفكار السطحية والبدائية تأخذ مداها في السيطرة على الساحة الغنائية, التي يتحكم فيها الآن أصحاب البارات والملاهي الليلية.
إنه طوفان قديم – جديد من الأصوات المزعجة والعبارات السوقية المخلة بالآداب العامة, والتي يفرضها الأميون وتلقى اقبالاً ورواجاً وهذه الموجات الموسمية تظهر بين الحين والآخر في سورية وخارجها، ثم لا تلبث أن تتراجع لمصلحة استمرارية الأغاني الأصيلة والخالدة. ومقياس نجاح الأغاني الهابطة يتحدد على أساس ما تحمله من عبارات نابية وفضائحية، وبهذا تكون الغلبة للأفشل، فالذي لا يجيد مخاطبة الناس بكلمات مبتذلة وسوقية وبإيقاعات صاخبة وبدائية، وبحركات هستيرية، لن يجد لنفسه مكانا بين جمهور هذه النوعية من الأغاني.
وهناك شريحة واسعة جدا من الناس تتجه لسماع أسوأ الأغاني المنسوبة الى التراث الفولكلوري والشعبي، وهي في الواقع ليست أغانٍ على الإطلاق لا تراثية ولا فولكلورية, ولا أي شيء آخر, وهي تقابل من النقاد و المتذوقين وأصحاب المشاعر الرقيقة بعاصفة من الاستخفاف والرفض القاطع.
إنها الوجه المخجل لأسوأ الحفلات الغنائية التي برزت في الأونة الأخيرة، ومن واجب نقابة الفنانين ضبطها أومقاضاة أصحابها ومحاسبتهم حتى لا تتوسع دائرتها، وتستمر الإساءة الى الذوق العام .
فمطربو ومطربات الموجات الهابطة، يفتقرون الى كل مثالية وأخلاقية وجمالية, وبالتالي فأغانيهم تزدهر في جو من القبح والسوقية والبذاءة والرداءة والمرض, وتعد بمثابة محاكاة فجة للفولكلور المزيف والمسير بالغريزة البدائية التي تستقطب نوعية معينة من الجمهور من شاكلتهم, وهذه المظاهر السلبية تشكل الانطلاقة السحرية لنجاحها وانتشارها السريع وبطريقة إيذاء المشاعر والأحاسيس الإنسانية العميقة. واذا كان من حق أي إنسان أن يختلف مع الآخر ويسمع على هواه, فهذا لا يعطيه الحق في الإساءة الى الذوق العام بعبارات أقل ما يقال عنها أنها فضائحية وسوقية.