الثورة – فاتن أحمد دعبول:
لم يعد البعيد عن العين، هو البعيد عن القلب في قانون وعرف اتحاد الكتاب العرب، بل الجميع في دائرة الاهتمام والرعاية، بل والتكريم والمتابعة الاجتماعية والتواصل الإنساني محبة ووفاء لأقلام لم تخبُ يوماً في تقديم عصارة الفكر والروح من أجل أبناء جلدتهم وللوطن جميعه.
وهذا ما أكده د. محمد الحوراني في تكريمه للشاعرين المكرمين، فادية غيبور، و يوسف الصياصنه، فقد بين أن هذا التقليد يساهم في بناء قيمة الثقافة، ولا سيما أن لهؤلاء الشعراء دوراً في الحركة الأدبية وصمودها في الآونة الأخيرة، وهي تقف في وجه المؤامرات التي يتعرض لها بلدنا.
وفي قاعة المحاضرات في اتحاد الكتاب العرب كان احتفاء جمعيتي الشعر والنقد بالشاعرة فادية غيبور والشاعر يوسف الصياصنة الذي وجد في هذه الالتفاتة معان كثيرة وقال: شكراً لهذه الالتفاتة التي قد لا تعني للبعض شيئاً في آخر عمرهم، لكنها في الحقيقة تعني لي ولأمثالي الكثير.
وأضاف: نطمح أن يستمر المشوار مع الآخرين وتستمر مسيرة الإبداع وهذا التعاون بين النقد والشعر فكلاهما بحاجة للآخر، وخصوصاً أن هناك مبدعين لم يجدوا فرصاً للإضاءة على نصوصهم، لقد صدر ديواني في عام 2000، وما سمعت نقداً متخصصاً عنه، نعم هناك نقد مجاملات، لكن عندما يكون النقد مقدماً من متخصص يثري الشعر والنقد ويثلج قلب الجميع، ويساهم في إنارة الطريق وربما في ارتقائه.
إبداع لا يشيب
وحول ديوان يوسف الصياصنة الذي عنونه “برج الكلام” والصادر عن اتحاد الكتاب العرب، توقفت الدكتورة رجاء شاهين عضو هيئة تحرير مجلة الموقف الأدبي عند مضمون الكتاب وتقنيات الشاعر في بوحه الشعري وبينت بدورها أن عنوان الديوان يكشف عن مضمونه، فالبرج من أبراج الشاعر الخاصة يدفع بمعان مخبأة وبتعبيرات تحتضن الزمان الخلاق والمرتبطة بما يمثل الحركة باتجاه المستقبل، وهو تفاعل يتسم بالإبداعية والخصوصية لتوالي الارتقاء الشعري بلغته الفريدة، إذ يربط التركيب الحداثوي بنوع من الأصالة.
وأضافت د. شاهين: ومن يطلع على فاتحة الديوان سيجد في نصوصه إبداعاً لا يشيب ورغبة بمزيد من الإضاءة للكشف عن الإنسان والعالم، وهناك رموز ودلائل وقرينة واضحة واستعادة أساطير ومزجها لتشكيل فضاء خاص لنصه الشعري، ورسم معالم رحلة شعرية في أثناء التقاط اللحظة الناشئة، واستخدام اللغة بطريقة جديدة، تتيح تجسيداً حياً وفنياً لكي يكون المتلقي بهذا الانفتاح على مقربة منه بما تحمله ذاكرته للتواصل من الشعرية بطاقة جديدة، ففي نصوصه جميعها هناك ظاهرة الصورة الشعرية التي استجمع لوجودها استحداثية ذاتية تعطي اللحظة الإبداعية حضورها الحي، ساعيا بذلك إلى خلق تآلف مع طبيعة حضارية تتسم بخصائص مشرقية استوطنها بالوعي المعرفي.
وأوضحت بدورها أن أهم سمات شعر الصياصنة التزامه بالقضايا المحلية والعربية والإنسانية ما يجعل القارىء بعداً من أبعاد النص، فالشاعر كان حزيناً وعزل نفسه على طريقته الخاصة، ليرث الفطنة المتأتية من الألفاظ المختارة والتناغم بين أجزاء الجمل، وحاول تأسيس توجه خاص لإبداع نسيج متميز بلغته المائلة إلى العفوية والبساطة، في تمكن لافت للدلالات والإشارات.
أحاسيس تنبض بالحياة
لم يمنع غياب الشاعرة فادية غيبور القسري بسبب عارض صحي من حضورها المعنوي، وقد ناب عنها زوجها أنور معمار، لينقل لها لحظات وفاء لمسيرتها في عالم الكلمة والبوح الشعري الهام من خلال دراسة نقدية لديوانها “نصف غناء وحلوى” قدمها د. غسان غنيم رئيس فرع ريف دمشق للاتحاد.
وبين د. غنيم أن هناك غنائية طاغية جداً في مجموعة الشاعرة فادية غيبور، ومنذ البداية نلاحظ العنوان الذي يقسم إلى قسمين هما، الغناء والحلوى، وكأنها تشير إلى أن المتلقي يستمع إلى ما هو شهي وجميل، واللافت هذا الحضور للوطن بكل ما فيه من جمال وآلام وعذابات وفراق، وقد تناولت جزئيات ومضمونات وصوراً كثيرة في هذا الموضوع،، ومنها تمازج الهم الخاص بالعام، ليصل إلى الوطن العربي جميعه ويتضح ذلك في قصيدة” يا أنت يا هذا الجنوب”.
والملفت في المجموعة تلك الوجدانيات التي تصدر عن حب مقهور، وقلما يتوافق الحب مع الفرح، لكن بعزة نفس الأنثى، وأيضاً نقف عند القافية المقيدة الجميلة التي تطرب القارىء والتي لا أعرف كيف تستخدمها.
وفي نهاية حفل التكريم ألقى الشاعر المحتفى به يوسف الصياصنة كلمة عبر بها عن تقديره للقراءة النقدية وللتكريم بأسلوب موسيقي تميز بالعاطفة الصادقة والالتزام بمكونات الشعر الأصيل.
كما ألقى الشاعر إبراهيم عباس ياسين رئيس فرع درعا لاتحاد الكتاب العرب قصيدة بين فيها مكانة الصياصنة وحضوره الشعري ومدى أهمية هذا التكريم وهذه القراءات النقدية للشعراء، ولتختتم الفعالية بتقديم درعين تكريميين للشاعرين المكرمين تقديراً لهما على إغناء المشهد الأدبي والثقافي.