تشير الدراسات الطبية الحديثة إلى أن الموسيقا والغناء الراقي، من أقوى أنواع منشطات الحياة والصحة، إذ يمكن لكل نغمة أن تؤثر في الأعصاب، للتغلب على مسببات الألم واستعادة النشاط والحيوية. وفي عواصم ومدن الفن الكبرى، توجد مشافٍ للعلاج بالموسيقا والغناء، وقد قام المختصون بهذا المجال بخطوات هامة، حققت المعجزات من دون استخدام العقاقير الطبية، و نجحت خلال أسابيع معدودة، في تحويل مرضى سادت حياتهم التعاسة، إلى أصحاء تغمر حياتهم السعادة والفرح والبهجة التامة.
هذا عندهم، أما عندنا فإقبال الجمهور لحضور حفل لأحد رموز الغناء الراقي يثير ردود فعل عنيفة ومتناقضة ومتباينة، بين مرحب وبين مستهجن ومستغرب، دون تمييز أو تفريق بين فنان يحارب بأغانية الراقية موجات الغناء الهابط، وبين آخر يكرسها ويساهم في إفساد الأذواق، كما حدث خلال التحضير لحفل هاني شاكر، بسبب الإقبال الشديد على شراء البطاقات، فنجم الغناء المتألق هاني شاكر يستحق التقدير، ودار الأوبرا في دمشق تستحق، والذين نظموا الحفل يستحقون، وما حدث من فوضى كان يحدث في حفلات كبار نجوم غناء الزمن الجميل، حيث كانت الجماهير المحبة، تحطم الحواجز الأمنية، وتخرج عن نطاق السيطرة في كل مكان.
ماحدث شيء صحي، أما الشيء غير الصحي، أن نجد بعض أدعياء التحضر والثقافة، لايعرفون ما معنى أن يكون هاني شاكر آخر رموز غناء العصر الذهبي، حيث سطع نجمه بين نجوم الغناء الكبار الأساسيين، ولقد ثبث أن أغانيه قادرة على الديمومة والبقاء والتجدد مع الأجيال المتعاقبة، منذ أكثر من نصف قرن، هو الذي غنى منذ بداياته من ألحان بعض عباقرة النغم العربي في القرن العشرين (من أمثال بليغ حمدي ومحمد الموجي ومحمد سلطان وخالد الأمير وغيرهم)، ولقد عرفه الجمهور طفلاً في فيلم سيد درويش، كما كان يشارك في الحفلات المدرسية عازفاً على الأوكورديون، ولقد استعاد أمس وأمس الأول على مسرح دار الأوبرا بدمشق بعض أشهر أغانية، التي أدهشتنا منذ السبعينات، وهذا يؤكد من جديد، أنه مطرب الأجيال بامتياز.
هكذا يمكن للمطرب والملحن والمؤلف أن يخدم الإنسانية، بالفن الراقي، وسط فوضى الغناء الهابط الذي يترك تأثيرات سلبية، لا تشفي الإنسان من الأمراض، وإنما تزيد من مشاكله الصحية والنفسية، ولهذا فالمطلوب توعية الأجيال الطالعة بأهمية الرجوع إلى العمل الفني المدروس والموزون، ومتابعة المسار الإبداعي الذي صاغه عباقرة النغم الأفذاذ في الشرق والغرب، وهاني شاكر ينتمي بكل أغانيه ومشاعره وأحاسيسه وثقافته إلى عصر الغناء الذهبي، وأغانيه تتجدد وتساهم في التخفيف من مشاكلنا الصحية والنفسية المتفاقمة.