من الذي يلعب بالآخر أكثر، نحن أم كرة القدم؟ وما حجم تأثيرنا عليها مقابل حجم تأثيرها علينا؟ يبدو هذان سؤالين غير منطقيين ،إلا إذا قمنا بالإجابة عليهما بتجرد، والإجابة حتماً ستكون في صالح كرة القدم لا في صالحنا.
لا يتوقف تأثير كرة القدم علينا عند حدود الانفعالات من فرح بالفوز وحزن وغضب من الخسارة أو قلق واستثارة وخوف، إلى آخر الانفعالات التي تحدثها، فكرة القدم عملياً باتت اليوم تبرمج حياتنا على مزاج صانعيها كلهم، أي الأطراف المشاركة في تقديمها إلينا بدءاً باللاعب وصولاً إلى الممول والمستثمر.
ويكفي أن نعرف هذه الحقيقة بتحليل بسيط ليومياتنا، فجدول مواعيدنا الحياتية مرتبط بالمباريات أولاً، لا نقوم بأي نشاطات أخرى خلال المباريات، إذا كان لدينا عمل فإننا نؤجله، وإذا كانت لدينا مناسبة أو زيارة عائلية فإننا نلغيها، فجدولنا الزمني مرتبط بالمباريات قبل غيرها، وقد نكّون صداقات أو نخسر صداقات بسبب نادينا المفضل، ويصل تأثيرها علينا إلى التحكم بالمزاج بشكل عام وفي العلاقات الأسرية، فلا يوجد منا من يفضل مشاهدة المباريات مع عائلته، سيشعر بأنه فقد الكثير من الامتيازات إذا فعل ذلك ولم يحضرها مع “شلته” في المقهى المفضل حيث الضجيج والحماس.
كرة القدم قادرة على إحداث الانقسام بين الناس في كلّ خطوة نخطوها، بدءاً من المدرج الذي لا يقبل القسمة على اثنين، مروراً بالمقهى الذي لا يمكن أن يتشاطر ناحية منه أنصار الفريقين معاً، وصولاً إلى وسائل التواصل والإعلام الرياضي المقسم بشكل حاد جداً.
قد يظن الجمهور نفسه المستفيد الأكبر من فوز ساحق لناديه، فهو الذي حقق تشفيه بخصومه، واستمتع بإذلالهم ورد عليهم ثأراً قديماً، ولكن المستفيد الحقيقي هم صانعو الكرة من الذين داخل الملعب أو خارجه، حتى أولئك الذين يراهنون بالمبالغ الكبيرة عبر البورصات فإن استفادتهم ستكون هائلة من عدة أهداف راهنوا عليها.
كرة القدم صارت صناعة فنية تجاوزت صناعة الدراما والسينما والترفيه بكثير، إنها ترفيه ما فوق الترفيه، ومصدر للدخل القومي والفردي والمؤسساتي، إنها فعلاً الساحرة المستديرة التي لم نفهمها نحن السوريين بعد، بل وتفوق علينا في فهمها أقرب الدول لنا ممن لا يمتلكون خمسة بالمئة من المهارات التي نمتلكها ولا الشغف الجماهيري الذي نمتلكه فمتى نفهم الساحرة المستديرة؟!