الأخبار الكارثية التي توالت على مسامعنا وشهدنها خلال الأيام القليلة الماضية، حفرت في قلوبنا وقلوب الكثيرين الحزن والأسى، وأعادت إلى الواجهة قصص استنزاف الشباب والهروب إلى المجهول التي بدأت مع بداية الحرب على سورية، وارتفعت حدتها في عامي 2014 و2015 لتعود هجرة ناعمة نسمع عنها بين الحين والحين.
إلا أن قسوة المشهد وما سبقه منذ فترة من قصص مشابهة لكارثة قوارب الموت خلق شرخاً جديداً في مسلسل استنزاف الشباب والكوادر، ولعل شدة التأثير حملت معها الكثير من الاختلاف في وجهات النظر تجاه الكارثة. فقد حملت النشرات والتعليقات الفيسبوكية قصصاً وأفكاراً لتجارب الخوف والتشاؤم والغضب بكل ما يحمله الواقع المرير من أسباب تبدو للوهلة الأولى هي المتهم الوحيد في قصص قوارب الموت أو السفر نحو المجهول.
في أغلب ما يمكن الإجماع عليه بين المعلقين هي القصص المعيشية الصعبة والحالة الاقتصادية الضاغطة ونقص الموارد وقلة العمل وانقطاع الكهرباء المتواصل والبحث عن رغيف الخبز والكثير من المنغصات التي جعلت الهجرة مطلباً ملحاً وضرورة وفقاً للرؤية الضبابية حول المستقبل ونفاد الصبر من عدم إيجاد الحلول.
ولكن وفي الضفة الأخرى هناك عدة حقائق لا يمكن طمسها في الرمال، أو رميها في البحر كما تفعل قوارب الموت، فهناك حقائب السفر المؤجلة التي يعمل عليها فريق من المهاجرين يشجع أقرانه ومحيطه بالقدوم على دول الاغتراب، وأن ما يحدث من اندفاع يومي نحو السفر يدل على أن عودة المهاجرين غير واردة على الأقل حالياً رغم كل ما يحيط بها من مؤتمرات وأخبار.
وهناك حقيقة تتعلق بمحاولات المهربين إقناع المهاجرين بأن الرحلة سهلة وآمنة، وما يرافق ذلك من استغلال كبير ليس فقط في مجال المبالغ الباهظة التي يأخذها المهربون والتي تصل إلى ثمانية آلاف دولار على الشخص الواحد، بل في المخاطر الكبيرة والواضحة فهم يختارون أرخص القوارب أو اليخوت المتاحة أمامهم، والتي لا تصلح للإبحار لمسافات طويلة، ويضعون فيها أعداداً مضاعفة لحمولتها، دون توفير لسترات النجاة الآمنة، كل هذا يعرض المهاجرين لخطر جسيم يبدو شبه واضح منذ بداية الرحلة ولا يحتاج للكثير من التفاؤل.
والحقيقة الأكثر أهمية والتي لا يتحدث عنها مشجعو الهجرة وهي أحوال البحر المتغيرة بسرعة وحسابات مختلفة. ومشكلات تصادم القوارب الصغيرة بالسفن الكبيرة،ومشكلات خفر السواحل والإجراءات التي تفرضها هذه الدول للدخول إليها وغيرها من الأمور التي تستحق وضعها ضمن حسابات الراغبين في السفر غير الشرعي تحت وطأة أحلام العيش الرغيد والبحث عن الفرص الأفضل.