عماد الدين إبراهيم:
يعود الدكتور عجاج سليم إلى المسرح مُعداً ومخرجاً لنص مسرحي كتبته روعة سنبل وفاز بالجائزة الأولى لهيئة المسرح العربي عام 2020 و قد وفَّر أرضية صالحة ليبني عليها المخرج رؤيته الإبداعية في تحويله من نص مكتوب إلى عرض مسرحيٍّ جذاب حاز على رضى المشاهد الذوَّاق و الباحث عن عملٍ مسرحيٍّ يشبع حاجته للفن الراقي ، و يلبي نهمه لمتعة بصريةٍ – جماليةٍ متميزة.
عندما حضرت المسرحية أول ما لفت نظري هو الموسيقا التي وظفها المخرج توظيفاً إبداعياً دقيقاً منسجماً أشد الانسجام مع الحركات الراقصة و تتابع الأحداث المتغيرة، والحالات النفسية التي تعيشها شخصيات المسرحية، جمع فيها ما بين الموسيقا العالمية و الإضافات الموسيقية المعمولة خصيصاً لهذا العرض، كما أنه استفاد من كل إمكانات حاسة السمع على خشبة المسرح (الحوار ، الموسيقا، المذياع، الرعد، المطر، … الخ )، وكذلك على صعيد حاسة البصر التي تنقلت ما بين الستائر الشفافة و التي تحجب السرير عن أنظار المشاهدين بغلالة شفافة رقية، لتتحول الى شاشة لعرض بعض الصور و الشخصيات و الأحداث، مع الإضاءة المعبرة عن فضاء العمل المكاني و الصراع النفسي الذي يعتمل في نفوس الشخصيات، و هو السائد في مضمون العمل حيت يتم تبادل الأدوار و يتحوَّل القاتل الى قتيل ، والمُقعد إلى مُعافى، والمعافى يتبيَّن أنه المُقعد الحقيقي.
لقد كان حضور الشخصيات على أربعة مستويات:
1 – مستوى الشخصية المرافقة للعرض: وتمثل في الشخصية التي تتغنَّى بشعر رياض الصالح الحسين.
2 – مستوى الشخصيات الرئيسية: وهي حاملة العرض الأساسية و تمثل في الزوجة المهجورة المُقعدة كما نعرف في نهاية العرض المسرحي، والأم والضفدع.
3 – مستوى الشخصيات الهامشية الحاضرة الصامتة و الذي تجسد في شخصية الراقصة – الضفدعة.
4 – مستوى الشخصيات الغائبة جسداً الحاضرة ذِكراً و هما الزوج المهاجر الذي يحضر بصوته ،و الطفل الميت ” فراس ” الذي يحضر بصورته على ستائر العرض.
إن هذه المستويات في حضور الشخصيات على الخشبة يدل على دقة و براعة المخرج و مهارته في إدارة ظهور هذه الشخصيات مما زاد من جاذبية العرض و احترافيته.
لقد أبدع المخرج في استثمار حواس المشاهد – المتابع للعرض سمعاً و بصراً ، لا بل كاد يتفرَّد في استثمار حاسة الشم أيضاً، حين يدخل الضفدع إلى سرير الزوجة و يلوِّح بالمبخرة، وتُظهر الإضاءة ما يشبه دخان البخور، و حبَّذا لو قام المخرج بنشر ضوع البخور بين الحاضرين لكان أول عمل مسرحي – على حدَّ علمي – يشبع حاسة الشم و يتعامل معها في عرض مسرحي.
ختاماً شكراً للدكتور عجاج سليم على هذا العرض المسرحي الذي قدم لنا جرعة جمالية راقية ، و شكرا للكاتبة المبدعة و للممثلين الذين أبدعوا في تجسيد أدوارهم ، ” نقيق” عرض مسرحي يتغلغل في الوجدان و سيبقى محفوظاً في ذاكرة محبي المسرح الراقي والجميل المشغول بمهارة واحترافية عالية.