خميس بن عبيد القطيطي- كاتب من سلطنة عمان:
تاريخياً احتضنت الجزائر ثلاث قمم عربية وجميع تلك القمم كانت في ظروف غير عادية، الأولى كانت في ٢٦ نوفمبر ١٩٧٣ بعد وقف إطلاق النار في حرب اكتوبر ١٩٧٣ وأقر بيانها الختامي شروطاً عربية للسلام بالانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة.
وجاءت القمة الثانية التي احتضنتها الجزائر أثناء انتفاضة الحجارة بالتحديد في ٧ يونيو ١٩٨٨ وتم إعتماد قرارات مهمة منها ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وكذلك الوقوف مع العراق وادانة السياسة الامريكية الداعمة لاسرائيل.
وجاءت الثالثة التي استضافتها الجزائر بعد احتلال العراق في ٢٣ مارس ٢٠٠٥ والتي احتفلت فيها الجامعة العربية بمرور ٦٠ عاماً على تأسيسها، كل هذه القمم المنعقدة بالجزائر حملت خصوصية هذا البلد العربي بلد المليون ونصف المليون شهيد وكأن الاقدار تقدر للجزائر أن تستضيف العرب في ظروف استثنائية.
ولا يختلف الحال هذه المرة حيث تستضيف الجزائر القمة ال٣١ في الذكرى الثامنة والستين لثورة التحرير الجزائرية ١ نوفمبر ٢٠٢٢ وكأن التاريخ أراد للجزائر أن تستضيف القمة العربية في هذا التاريخ المجيد.
لا يفوتنا هنا أن نشيد بالجهود الدبلوماسية الكبيرة التي قدمتها الجزائر من أجل تهيئة الظروف لعقد قمة عربية ناجحة وجامعة، وكما ذكر الرئيس الجزائري: “نريد من القمة العربية المقبلة أن تكون قمة جامعة شاملة ولن نكرس التفرقة العربية”.
تأجيل القمة منذ عام ٢٠٢٠ بسبب جائحة كورونا وترتيب بعض الأوراق السياسية نأمل أن تجاوزته الجزائر والاشقاء العرب نظرا لأهمية هذه القمة في ظل أجواء عربية باهتة تنتظر التغيير، وأهميتها تكمن في عدد من الملفات التي لا بد من التصدي لها سواء السياسية أم الاقتصادية، وأهمية التنسيق والعمل العربي المشترك، وطرح عدد من الملفات العربية وفي مقدمتها قضيتنا الاولى القضية الفلسطينية.
قضية مشاركة سورية بالقمة حسمها السوريون بأنفسهم لتسهيل انعقاد القمة ولكن وإن غابت سورية فهي حاضرة في قلوب العرب وموضوع عودة سورية الى البيت العربي يمثل أهم النقاط التي يجب تبنيها في أي لقاء عربي يجمع العرب.
قمة الجزائر استبقت انعقادها بتحقيق انجاز ملف المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وهي قضية حيوية أحيت بعض الآمال للخروج بقمة عربية ناجحة إلا أنه لا يمكن الافراط في التفاؤل فرغم انعقاد هذه القمة في الجزائر التي دائما ما تنحاز الى المواقف العروبية وتكرس جهودها الدبلوماسية لصالح القضايا العربية وحافظت على جوهرها القومي المعهود إلا أن هناك الكثير من العوائق في قضية العمل العربي المشترك وإصلاح العمل العربي المشترك يمثل أولوية في الوقت الراهن وهذه قضية تتطلب إرادة وشفافية ورغبة في التغيير، وهناك ايضاً بعض المطالب بإحداث تقدم في معالجة بعض القضايا العربية العالقة مثل الحصار الجائر على سورية والذي يجب أن يتبنى العرب انهاءه فورا نظرا لما يعانيه الاشقاء من أبناء الشعب السوري، كذلك هناك ملفات ليبيا واليمن ولبنان وهي ملفات مهمة يجب أن يكون للعرب موقفهم المشرف فيها.
رغم حالة التشاؤم التي تغلف الشارع العربي وامتعاض الجماهير العربية من تراجع المستوى الرسمي العربي في مواجهة بعض القضايا المصيرية إلا أن الحفاظ على استمرار مثل هذه الجسور العربية ومحاولة التصدي للقضايا العربية العالقة واستشعار أهمية العمل العربي المشترك يعتبر أمراً بالغ الأهمية فلا بد من انتشال العرب أنفسهم من حالة التيه التي قاربت الان (٥) عقود .
المتغيرات الدولية التي يشهدها العالم وبروز أقطاب دولية جديدة تتطلب من العرب التقارب ووحدة الموقف وإعادة القضية الفلسطينية الى واجهة المشهد العربي، وهذه المتغيرات ينبغي أن تمثل حافزا جيدا لوضع النقاط على الحروف وقراءة الواقع السياسي العربي والدولي بشكل دقيق، كما أن هناك قضايا عربية ساخنة تتطلب الانعاش وتقديم معالجات ناجعة لها، لأن القضايا العربية لا يمكن حلها من الخارج بل في داخل البيت العربي بما يضمن تجنب التدخلات الخارجية في الشؤون العربية، وعليه يجب أن تتحمل كل الدول العربية مسؤولياتها تجاه القضايا العربية.
القمة العربية كانت في زمن سابق تعتبر أهم المحطات العربية التي تهدف الى إعلان موقف عربي جماعي موحد، ولا شك أن الجماهير العربية اليوم تتمنى الحفاظ على الحد الأدنى من هذه التطلعات والآمال، وهذه الآمال حاضرة بقوة في الشارع العربي ويجب استحضارها في أذهان القيادات العربية للخروج بمواقف موحدة وآلية عمل واضحة، وقبل ذلك يتطلب إرادة عربية حقيقية، وهنا تتطلع الجماهير العربية نحو قمة الجزائر على أمل أن تحقق قمة الجزائر بعض الآمال والتطلعات.