الملحق الثقافي- د. بتول دراو:
يظل الإنسان المؤثر حيّاً وحيويّاً في تواصله المستمر مع أوساطه الحياتية، وبمختلف جوانبها، فإذا انتقلت روحه إلى عالم الخلود ودّعته أصوات المحبين بأعمق ما تستطيع من مشاعر الحب والحزن والامتنان، وأفاضت على روحه ما تبوح به العواطف والمشاعر الخالصة، فلم يكن غياب الدكتور فؤاد المرعي إلا بهذا الشكل المؤثّر، فأنّى التفتَّ في جوانب الحياة العلميّة والإداريّة والثقافيّة والاجتماعيّة وجدت حضوره الفاعل فيها، دأبه في ذلك العلم والمحبة والوطن.
ففي مجال الدراسات النظريّة -على سبيل المثال- كان هاجس الحوار الموضوعيّ مهيمناً على تفكير الدكتور نقديّاً، حيث نجد في أثناء حديثه حول الأسلوبية تركيزه على ضرورة التمييز المصطلحي، أي بين الدّراسات الأسلوبيّة اللغويّة والدراسات الأسلوبيّة الأدبيّة، فلكل حقله الدرسيّ الخاصّ به، وهو أمر مرتبط أشد الارتباط بالشّخصيّة العلمية للمرعي، التي تتنبه إلى قضيّة التمايز السّياقي بحسب الوضع القائم، وعنه سينتج توسيع أطر البحث العلميّ الذي ستكون الاهتمامات اللّغويّة أحد هذه المجالات، ففيها يركّز المرعي على أهمّيّة الأدب في فعل الإنتاج اللغوي، ليعود الناقد في هذا الإطار نحو حقله الرّيادي الأول وهو حقل علم الجمال الذي كان من أهمّ المشتغلين فيه والمصرّين على ضرورة إدخاله في ميدان الدراسات الأكاديميّة تسليماً منه في تأثيره الإبداعيّ الخلاق.
ويستند المرعي في تقديم رؤاه النقدية إلى دراسات معمقة وأبعاد فكريّة وأدبيّة ونظريّة واضحة، إذ لا ينفي التجاذب والتناغم بين الحقول الدرسيّة، مثلما تتناغم وتتجاذب الأطراف الشخصيّة في الذات نفسها، إلا أن التخصيص نابع من طبيعة العمل المدروس ذاته، وهو أمر لابدّ من حضوره في الوعي الناقد أو الدارس..
ولم تكن الريادة التي تميّز بها المرعي ذات منحى سكونيّ بقدر ما كانت رغبة في التطوير والبناء والتجديد والتثقيف، مع التّركيز على الجانب العلميّ والنضج الفكريّ بالدرجة الأولى، ممّا جعله شخصية مَهيبة وذات حضور لافت في مجمل التّكوينات الذّاتيّة لديه…
قد يكون الموت غيّب أستاذنا الدكتور فؤاد المرعي جسداً إلا أنّ روحه الخالدة تعبق في أنحاء مدينة حلب التي أحبّها؛ وفي جامعتها خاصّة التي لم يغب فيها ذكره عنها يوماً ولن يغيب…
العدد 1119 – 8-11-2022