الثورة – تحليل لميس عودة:
عندما عمدت أميركا لتأجيج الحرب الأوكرانية ونفخت في جمرات الأزمة كي لا تنطفئ, ووضعت العصي في عجلة التوصل لحلول قائمة على الضمانات المشروعة التي تحفظ أمن روسيا الاستراتيجي، كانت تدرك بأنها تجر القارة العجوز إلى المصيدة الاميركية وتغرقها في أوحال الاضطرابات وتمزق شرايين اقتصادات دولها وتشل صناعاتها نتيجة تداعيات عوز مشتقات الطاقة وانعدام البدائل المتاحة, لتستثمر هي أي واشنطن بالخراب الحاصل, وتستفيد من التبعات بإنعاش اقتصادها عبر استنزاف قدرات الاقتصادات الاوربية على الثبات في وجه العواصف الهوجاء التي أثارتها.
أوروبا التي لطالما أذعنت لأميركا على حساب أمنها وسلام شعوبها واحتياجات صناعاتها، باتت تتأرجح اليوم على حدي سكين العوز المتنامي لمصادر الطاقة وشح وخطورة البدائل المتوافرة، وتفتقر الى سبل تردم من خلالها فجوة النقص الحاد المتسعة, ما اوجد المناخ المناسب لأميركا لتلعب لعبتها التخريبية بضرب اقتصاد أوروبا وشل صناعة دولها المنافسة لشركاتها ومصانعها وتقديم التسهيلات للمصانع الاوروبية لتفكيك بنيتها في اوروبا والهجرة باتجاه الولايات المتحدة الأميركية.
التصريحات التي أدلى بها وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير في مقابلة أجراها مع 4 صحف أوروبية هي “لي زيكو” الفرنسية و”هاندلسبلات” الألمانية و”إل موندو” الإسبانية و”كورييريه ديلا سيرا” الإيطالية بما يتعلق بمسألة التجارة الدولية تندرج في هذا السياق وتؤكد ان اوروبا بدأت تتحسس مواضع الخطر وتعي محاولات واشنطن سحب الشركات الكبرى للعمل على أراضيها بعيداً عن أوروبا، موضحا ان الإعانات الضخمة التي تقدمها واشنطن للشركات مخالفة لكافة قواعد التجارة الدولية داعياً إلى رد أوروبي “منسق وموحد وقوي وصارم “.
كما كشف الوزير الفرنسي أن “بعض الحالات، تتراوح قيمة الإعانات التي تقدمها لها إدارة جو بايدن بين 4 و10 أضعاف المبلغ الأقصى الذي تسمح بتقديمه المفوضية الأوروبية”.
اذاً الاستثمار في نزيف الاقتصادات الاوروبية وتشجيع هجرة أصحاب كبريات الصناعات منها تحاول من خلاله واشنطن إفراغ اوروبا من صناعاتها ومحاولة إنعاش وازدهار اقتصادها على حساب اضمحلال الصناعات الاوروبية .
وفي كل ماسبق يبدو أن أوروبا باتت على مفترق طرق الآن بعد أن اتضحت قتامة الصورة الاقتصادية ووقعت في الفخ الأميركي، فإما أن تدفن رأسها في أوحال تبعيتها وتصر على الانقياد الأعمى وراء سياسات الهيمنة الاميركية وإما أن تنزع عن بصيرتها غشاوة السذاجة والإذعان وتدرك ما تريده واشنطن من وراء تأجيج الحرب الاوكرانية وإطالة أمدها بأن غايته جني مكتسبات واستنزاف لاقتصادات دولها وإغلاق مصانعها التي تنافس المصانع الأميركية أو تفكيكها و هجرة أصحابها لأميركا لإنعاش اقتصادها، فهي تريد لاقتصادها أن يزدهر باستنزاف الاقتصاد الاوروبي وشل إمكانات ثباته في وجه عواصف هيمنتها المطلقة.
فهل تصحح أوروبا أخطاءها السياسية والاقتصادية وتعيد عربتها الجانحة الى جادة الصواب قبل تلقيها الضربات الأشد والأكثر تدميراً وتنزع صواعق التخريب الأميركية؟.