الثورة -رولا عيسى:
صدر عن دار الفكر بدمشق أول كتاب للدكتور نزار كبيبو باللغتين العربيّة والإنجليزية تحت عنوان “الأثر السوري في رومانيا والأثر الروماني في سورية – الكتب – الوثائق – العلاقات الثنائية بينهما حتى ٢٠٢١”، وهو أول كتاب من تأليف مؤلف سوري يتحدّث عن العلاقات الثقافيّة السوريّة-الرومانيّة.
ويوثّق الكتاب الكتب، والمقالات، التي ترتبط بسورية والموجودة في المكتبة الوطنية الرومانية، وأهم المكتبات الرومانية الأخرى، ويعطي ملخصاً عن جميع هذه الكتب ومواضيعها، ومحتواها.
و لعل مايميز الكتاب تسليطه الضوء على تاريخ العلاقات السورية الرومانية بالنسختين الإنكليزية والعربية بأسلوب أكاديمي وقصصي يطلع القارئ على أهم المحطات والاتفاقيات والتبادل الثقافي والعلمي بين البلدين و يتألف من خمسة فصول.
ويتحدّث الدكتور كبيبو في الفصل الأول منه عن العلاقات الثقافيّة بين سورية وسكّان الأراضي الرومانيّة منذ عام 106 م. عندما قام الجنود التدمريون في جيش تروجان الروماني، بحسب المؤرخين الرومانيين، بنشر فكرة الإيمان في منطقة داشيا في رومانيا الحاليّة، وذلك من خلال التماثيل البرونزيّة التي كانوا يحملونها معهم، والتي كانت تمثّل الإله جوبيتر دوليشينوس (الموجود على صورة الغلاف) والذي أنشأ الرومانيون تماثيل ضخمة في داشيا مطابقة لهذه التماثيل. وبحسب المؤرخين الرومانيين قام السوريون (والمقدونيون) بنشر الديانة المسيحيّة في الأراضي الرومانيّة بعد اتفاقية ميلانو عام 306م. ويتحدّث هذا الفصل أيضاً عن جميع رحلات البطاركة السوريين إلى الأراضي الرومانيّة بدءاً من رحلة البطريرك يواكيم ضوّ عام 1584، ومروراً بالرحلة الهامة جداً للبطريرك مكاريوس ابن الزعيم (الموجود على صورة الغلاف)، والذي قام ابنه الشمّاس بولص بتأليف كتاب توثيقي عن تلك الرحلة تمّ اعتباره أهمّ كتاب في التاريخ المسيحي. ورحلة البطريرك أثناسيوس الثالث دباس الذي قام بطباعة كتابين باللغة العربيّة في بخارست وسناغوف، وإثني عشر كتاباً في حلب باستخدام الطابعة التي جلبها معه من رومانيا (صورة الغلاف) عام 1705، وهي أول طابعة تدخل سورية والعالم العربي، وانتهاءً برحلة البطريرك سيلفستروس الذي جلب معه أيضاً من رومانيا طابعة ثانية.
ومن الجدير ذكره أنّ جيش تروجان لم يستطع عبور نهر الدانوب لغزو داشيا إلا بفضل الجسر الذي بناه المعماري السوري الأشهر في العالم أبولودور الدمشقي، وهو كان أطول جسر في العالم.
يتحدّث الدكتور كبيبو في الفصل الثاني عن جميع الكتب والمقالات التي تحمل أثراً سوريّاً في رومانيا، وهي الكتب والمقالات التي تتحدّث عن سورية، أو تتحدّث بأجزاء منها عن سورية، أو هي كتب ومقالات مترجمة عن أعمالٍ سوريّة، ويدرس هذا الفصل أيضاً أهم السوريين الذين وصلت أعمالهم إلى رومانيا، وأهم المفكرين والمترجمين الذين ساهموا في تعزيز هذه العلاقات الثقافيّة.
ويبحث هذا الفصل أهم المجالات التي أحبّها الرومانيون في النتاج الفكري السوري، والمجالات التي لم تصل إلى رومانيا، فمثلاً لم يصل أي عمل مسرحي سوري إلى رومانيا على الرغم من تميّز سورية بكتّاب مسرحيين مرموقين عالميّاً. ولم يصل أي عمل سوري في مجالات الفنون مثل الرسم، النحت، السينما، الأزياء. وبالمقابل، أكثر ما اهتمّ به الرومانيون فيما يتعلق بسورية هو التاريخ السوري، ويليه السياسة السورية، ويأتي ثالثاً الأدب السوري، وخصوصاً الشعر السوري فأصبحت أعمال الشاعر السوري الكبير نزار قبّاني أكثر الأعمال السورية انتشاراً في رومانيا، وكذلك انتشرت هناك أعمال المفكر السوري أدونيس بشكلٍ واسعٍ.
وتأتي الرواية السورية بالمرتبة الثانية فلمعت أسماء الروائيات والروائيين غادة السمان، وكوليت خوري، وحنا مينة. ويسلط الكتاب الضوء على اهتمّام المؤلفين الرومانيين بالجانب السياسي في سورية، وبالجانب اللاهوتي السوري، ولم يهتمّوا بالاقتصاد السوري. و لم يتمّ نشر أي مؤلف عن السياحة في سورية في الفترة 1957-2002، وبالمقابل تمّ نشر خمسة كتب هامة ألفها رومانيون بين عامي 2010-2022 . ولوحظ في الفترة الثانية المذكورة انخفاض اهتمام الرومانيين بالمجال الأدبي مقابل ازدياد اهتمامهم بالجانب السياسي لسورية، فأصبحت كتب السياسة أكثر مجال قام الرومانيون بتأليفه في الفترة 2010-2021.
وقد يكون مفاجئاً أن الفترة من 2010 إلى 2021 كانت الفترة الأفضل من ناحية عدد الكتب المنشورة المتعلقة بسورية! وهذا يشير إلى تنامي العلاقات الثقافيّة بين البلدين.و يدرس هذا الفصل أيضاً أهم دور النشر الرومانية التي نشرت أعمالاً تتعلق بسورية، وأهم المدن الرومانية المنتجة لهذه الأعمال.
ويقدم هذا الفصل أيضاً سيراً ذاتيّة لأهم المفكرين والمترجمين الرومانيين الذين ساهموا في نقل الثقافة السورية إلى رومانيا، ومنهم البروفسور جورج غريغوري مترجم القرآن الكريم إلى الرومانية.
ويتحدّث الجزء الثالث عن الكتب الرومانيّة الموجودة في سورية، ويبحث أهم المجالات التي أحبّها السوريون في النتاج الفكري الروماني، ويقتفي أثر الكتب القديمة التي تمّت طباعتها في رومانيا، أو باستخدام الطابعتين الرومانيّتين. ويصحح هذا الفصل، بفضل كون اللغة العربيّة هي لغتنا الأم، بعض المعلومات غير الدقيقة التي تناقلها باحثون رومانيون مرموقون منذ خمسين عاماً. ويتحدث هذا الفصل عن جميع النشاطات الثقافيّة الرومانيّة’ في سورية منذ عام 1957 تاريخ توقيع أول اتفاقيّة ثقافيّة بين البلدين وحتى عام 2021،.
ويتحدّث الدكتور كبيبو في الفصل الرابع من الكتاب عن السوريين الذين درسوا في رومانيا، حيثُ تمّت متابعة عيّنة مؤلفة من 332 سوريّاً درسوا في رومانيا منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى السنوات العشر الماضية، وعادوا للعمل في سورية. وشملت المتابعة الأعمال التي قاموا بها، والمناصب التي شغلوها لمعرفة إن كانوا يشكلون نموذجاً جيداً يُمكننا إرسال أبنائنا للسير في نفس الطريق الذي ساروا به، وكانت النتيجة أنّ الجامعات الرومانية قامت بتخريج طلاباً تمتعوا فيما بعد بمراتب مهمة منهم وزراء سوريون سابقون، وبمناصب أخرى في مختلف المجالات، كما تمّت دراسة جميع أطروحات الدكتوراة والماجستير الصادرة عن الجامعات الرومانية، والتي تمّ إيداعها في المكتبة الوطنية السوريّة، والأطروحات عن سورية في المكتبة الوطنيّة الرومانية لمعرفة أي الفروع التي تستهوي السوريين، وأي المدن والجامعات الرومانيّة التي استضافت هؤلاء السوريين.
أما الفصل الخامس والأخير فيتحدّث فيه الدكتور نزار كبيبو عن العلاقات السياسيّة والدبلوماسيّة بين البلدين منذ اعتراف رومانيا باستقلال سورية عام 1947، وبدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1955، وذكر أهم المواقف السياسية التي اتخذها البلدان تجاه القضايا التي تهمّ سورية، ويعطي معلومات موثّقة عن الزيارات الهامّة التي تبادلها الرئيسان الراحلان حافظ الأسد والرئيس نايكولا تشاوشيسكو حيث شكّلت العلاقة الشخصيّة التي بناها الرئيس الراحل حافظ الأسد مع الرئيس تشاوشيسكو الأساس المتين لنهضة العلاقات السياسية، والدبلوماسية، والاقتصادية، والثقافية بين البلدين ويدرس الكتاب أيضاً هذه العلاقات من زوايا متعددة.
صدر الكتاب باللغة الإنكليزيّة، وقام المؤلف بترجمته إلى العربيّة وهو موجود باللغتين في دار الفكر في دمشق.