رنا بدري سلوم
يتلمّس الفنان التشكيلي أحمد الصوفي ألوانه، فيدوّنها على مساحة حلمه الأبيض فتنسكب كنهر، يدوّن بألوانه الزيتية ما رمته روحه من رموز وطقوس على مسافة قريبة من جسدٍ متعب أنهكته الحرب، فينعتق الزمرّد والأزرق ولون الأرض ورائحة المطر، ليرسم من خلالها ثلاثين لوحةً فنية لمدن سوريّة عاشت الحرب، فبقيت أرواح قاطنيها تصرخ إننا هنا سنبقى.
ترمز الشمس التي رسمها في زوايا لوحاته إلى أن النور لا يفنى وإن غاب بين أسلاك الغيم، كل هذا ليس شعراً بقدر ما هو إجابة بالألوان لتساؤلات وجهناها لفنان لم يستطع فصل شاعريته عن لونه فكتب بألوانه ما عجزت عنه الكلمات، ومع هذا أكد في تصريّح لصحيفة الثورة أن لغات العالم لم تستطع أن تصف بشاعة الحرب أو أن تعبر عنها فوقفت عاجزة، ولا حتى الفن التشكيلي الذي سبق ولادة الكلمة، ورغم ذلك لا يمكننا أن نقف بُكماً أمام الحرب التي شنت على سورية فتغلغلت في قلوبنا وألواننا وأقلامنا ولقمة عيشنا، وهو ما ألهمه لتخصيص عمل فنيّ يؤرخ هذا الوجع بلوحات عنونها «مدن الحبّ والحرب» والتي تعرض في غاليري البيت الأزرق.
وعن اللوحات المعروضة أشار إلى أنها تمثل حياة أناس عايشوا الحبّ والحرب معاً، دفنوا أحلامهم ورحلوا وبقي المكان ذاكرة الدمار والبرد، الفقر والتهميش والكآبة والحرمان فطغى اللون الأسود على اللوحات ممثلاً الحزن والخوف والبارود، أما الفرح فله متسع لابد منه، يشرق كنور بلونه الأصفر الحار سارداً فلسفة الانعتاق والتجلّي والإشراق، بينما يمسكُ اللون الأزرق بأحلامنا البيضاء نحن الأحياء ليأخذنا إلى فسحة سماوية بعد كل هذا الأنين.
