الملحق الثقافي- لينـــــــا كيــــــــــــــلاني :
ـــ الكتاب الأول: قراءة، شراءً، تأليفاً.. مالكتاب الأول الذس قرأته أو اشتريته ومازال في الذاكرة.. وللكتَّاب: ما الكتاب الأول الذي ألفته، وماذا لو أعدت تأليفه الآن.. ماذا تضيف، ماذا تغيّر؟
ـــ سؤال يعيد إلى الذاكرة أحداث، ومواقف، وفترات عمرية عشناها.. بل سؤال ينعش الذاكرة مع أول كتاب قرأناه.. ولكن قبل أن نقرأ كان هناك مَنْ يقرأ لنا.. وها أنت يا محدّثي تعيدني إلى ما كنت أسمعه مما يُقرأ لي في سنوات الطفولة الأولى من أقاصيص (هانس آندرسن)، والتي مازلت أحفظها حتى الآن، والتي كانت بداية عقد الصلة مع القصة التي لا نجدها إلا بين صفحات كتاب.
هكذا كانت البدايات المبكرة لدي لتتبعها بدايات أخرى.. وها أنا أتذكر أول كتاب قرأته، وهو مما يقرؤه عادة الكبار وليس الصغار، وبعد أن تجاوزت آنذاك ما يعرف بأدب الأطفال لمن هم في المرحلة العمرية الأولى رغم أنني لم أكن قد تجاوزت العاشرة من العمر، أقول تذكرت تلك الصفحات التي ما نسيتها من رواية (الصبي الأسود) للكاتب (ريتشارد رايت)، وما تسرب إلى نفسي معها من مشاعر الزهو، والانتصار بأنني أجيد القراءة لغةً، وفهماً، لكنها مشاعر ممزوجة بالحزن على ذلك الصبي الأسود الذي لم يتعرف إلى القراءة، والكتابة إلا بعد أن أصبح يافعاً ليقفز فرحاً عندما استطاع للمرة الأولى أن يكتب حروف اسمه.
وها أنت تعيدني من جديد إلى عمر اليفاعة مع أول كتابين اشتريتهما من مصروفي الخاص من مكتبة (أطلس) في منطقة الصالحية، الأول كان لـ (فيكتور هوغو)، والثاني كان لـ (تشارلز ديكنز) أهديته لصديقتي في عيد ميلادها. كم كانت بريئة تلك الصفحات من حياتنا، ومن قراءاتنا ونحن نتعرف إلى القص العالمي، وكلاسيكيات الأدب، قبل أن تغزونا الرقمية التي اختلطت منها الصفحات.
وبعد أن أصبحت كاتبة، أعود بين وقت وآخر إلى أول كتاب صدر لي جمعت فيه ما كنت أنشره في صفحة الطفولة في جريدة (تشرين)، وكنت ما أزال حينذاك في مرحلة الدراسة، ولا أنسى امتناني للشاعر (ميخائيل عيد) رحمه الله الذي أشرف على طباعته. كتابي الأول بعنوان (العصافير لا تحب الزجاج)، وقد صدر بالتعاون مع اتحاد الكتّاب العرب، كان يملؤني فرحاً، والفرح تعاظم عندما صدر كتابي الثاني بعنوان (الجزيرة السعيدة) عن اتحاد الكتّاب العرب في طبعتين متتاليتين، ظننت معهما أنني أستطيع أن انتسب بهما إلى عضوية الاتحاد، لكنني عندما تقدمت بطلب الانتساب لم يُقبل طلبي لسبب بسيط اختلفت معاييره، ومقاييسه الآن مع ما أصبحت تتيحه الرقمية من ذيوع وانتشار، ألا وهو صغر السن! إذ لم يكن بين أصحاب طلبات الانتساب آنذاك من لا يزال في مرحلة الطفولة، وأن عليَّ أن أنتظر بضع سنوات حتى أعاود الكرّة من جديد، وهذا ما حصل.
وعندما أقرأ في هذين الكتابين، وهما من بواكير أعمالي الأدبية، أجدني وكأنني أقرأ لكاتب، أو كاتبة هي ليست أنا، فأجد النص القصصي مكتملاً لدرجة أنني لا أستطيع أن أغيّر فيه كلمة، أو عبارة ولا أن أضيف إليه. وهذا بدوره يمنحني الثقة بما قدمته، ويجعلني أجتهد أكثر فيما أقدمه الآن، وفيما أسعى إليه وأطمح أن يكون جيداً بما يكفي ليليق بمسيرة أدبية عمرها أكثر من (170) كتاباً مطبوعاً، جميعها صدرت عن مؤسسات ثقافية مرموقة كاتحاد الكتّاب العرب، ووزارة الثقافة السورية، وهيئة الكتاب المصرية، ودار المعارف العريقة في مصر، وكذلك دار الهلال، ودار الأهرام، إلى جانب بعض دور النشر الخاصة المعروفة.
كتب نقرأ فيها، وكتب تسكن كلماتها في وجداننا، وأخرى قد تغيّر لنا مساراتٍ في حياتنا.. فالتحية للكتاب في كل وقتٍ وآن، وفي أي صورة يصل بها إلينا سواء أكان ورقياً، أم إلكترونياً لأنه يظل نوراً يضيء لنا دروب الحياة.
العدد 1120 – 15-11-2022