الملحق الثقافي- شهناز صبحي فاكوش :
يحدث يوماً.. ألا نتمكن من رتق ثقوب القلب.. حيث لا مسافات بينها..
يوماً.. قد لا تكون خسارةً، فَقْدُ من لا يدرك قيمتنا الحقيقية.. لنخرٍ في نفسه..
يوماً.. قد نزداد وجعاً.. ممن نظن أنه يشاركنا ألمنا.. بينما هو يقترب أكثر ليتأكد من أن آلامنا مبرحة وجراحنا ما زالت تنز.. متمنياً أن يكون قيحاً.. لنخرٍ في وجدانه..
يوماً.. تموت فينا حتى شهوةَ تنشق العطر.. لأن قسوتهم قتلت الحنان.. وأماتت الرحمة في قلوبنا.. ودفنتهما مع أرواحنا، التي عَفَتْ طعوم الحياة..
يوماً.. لابد ألا نلتفت لمن هانت عليه مصائبنا.. وفرح بأذيتنا.. هذا لا يستحق منا حتى العتاب..
يوماً.. من شدة الألم.. يغيب إحساسنا وشعورنا عمّن حولنا رغم حضوره.. ولا يبقَ لنا سوى التواصل مع الخالق..
يوماً.. نرسو بمراكبنا على شاطئ اللا تسامح.. حيث لا يمكن لأي عذر أن يمحو أذاهم.. وجرحهم لنا.. فنكره أصواتهم.. وحتى سماع أسمائهم..
يوماً.. تطحننا مواقف البعض.. فنعف عنهم وعنها.. بصلابة روحنا وقوة إرادتنا.. لنذهب بعدها في راحة نفس عميقة.. تسبق تخلينا عنهم تماماً.. فهم لا يستحقوننا..
يوماً.. يمر فينا ونحن نتحرى الابتعاد عمن يتحرون الإساءة لنا.. نبتعد وندعو ألا يظهروا في حياتنا.. ولو صدفة بين تقاويم الأيام.. وأن لا يخترقوا أحلامنا ولا يقظتنا..
يوماً نضغط على قلوبنا.. نسامح من أساء إلينا.. لكن ثقتنا بهم ستظل فاقدة مصداقيتها للنهاية..
يوماً.. زارني الموت في ابنتي وحفيدي وزوجي وأمي وقبلهم جميعاً أبي.. لم تعد عائلتي كما كانت.. غاب معهم الفرح.. ونشوة الأيام.. بغيابهم غاب طعم الحياة..
يوماً.. ضرب الإرهاب وطني.. تشققت روحي.. وانخدش حياء العذارى.. وأعلن الموت استقراره في بلدي.. رافقهُ تَهَلْهُلِ مراسم الأخلاق.. تغلغل الفساد محتضناً مفردات الحياة..
يوماً.. تقدِّمُ خدماتٍ لطالبيها.. أناسٌ لا يذكرونك بها.. يتوارون دون كلمة شكر..
يوماً.. قد لا تتمكن من أداء خدمة لأحدهم.. لسبب ما.. يُشْهِرونَ ألسنتهم.. يُشَهِّرونَ بك.. رغم مئة خدمة أديتها لهم..
يوماً قلت لأحدهم كما تدين تدان، بعد غبن أصابني منه.. ارتحتُ بعد قولها.. وأحس هو بالندم.
يوماً.. يقع المرء فيُحبَط.. يشعر بالتنمر والشماتة.. ويوماً ينجح فيحيط به الحسد والحاسدون.. يوماً.. تلفنا وحدة نضيق بها.. لكننا نشعر أنها تنصفنا.. من ضجيج المنافقين..
يوماً.. كانت ابتسامتي تلسعهم.. وضحكتي تحرقهم.. وطيفها يزيدهم احتراقاً.. فزرعوا الموت في طريقي.. صلبت عودي.. انتصبت.. قويت أكثر.. مازالوا يتلظون بنار لا تنطفئ.. لغلِّهم..
يوماً.. تقبلنا مرارة أفعالهم.. تجرعناها بصمت.. لأجل العدل..عليهم أن يتحملوا ردات أفعالنا.. ولو بعد حين..
يوماً.. تُحسد على مالم تسعَ إليه.. تحسبهم أحبة.. لكن كيدهم يكون عظيماً..
يوماً.. يُصْدَمُ المرء.. ويلفهُ ألف ألف وجع.. قد يقع في خيبة أمل مراراً.. وقد يُكسر قلبه ألف مرة.. لكنه يجد في نفسه حمداً لله.. لأنه أرحم به من نفسهِ وأرفقْ.. فَنِعَمُهُ لا تُحصى..
يوماً.. تعلمت من جدتي أن الأيام دواليك.. لابد أن تصيبَ الظالم بظلمٍ أشد منه.. وتَشمَت بالشامت عشرات المرات.. وترد للمسيء إساءته.. فترتاح نفس المظلوم..
يوماً.. علمتني الحياة أن العدالة الإلهية حاضرة دوماً.. لذا لابد أن يكون للصبر مكان فيها..
يوماً.. تعلمت من الحياة أن علينا توجيه الكلام لمن يفهمه.. وليس لمن يسمعه.. وأن يكون الرد لمن يستحق.. وليس لمن يتكلم..
وأخيراً.. الناس من حولنا.. بين عابر.. ومسافر.. وباقٍ في القلب ثابت مثل الوطن.. لصيق تحت الجلد لا يغادر.. لكنه ليس آخراً..
العدد 1121 – 22-11-2022