الملحق الثقافي- فاتن دعبول:
ربما لا تسعفنا الذاكرة في استعادة لحظات أو مواقف كانت أثيرة لدينا في زمن ما، ولكن ترى هل ينطبق الشيء نفسه على كتاب استوقفنا ونحن مازلنا نحبو على أعتاب القراءة، وما الأثر الذي تركه لدينا هذا الكتاب، وهل بقي من مضمونه ما بقي عالقاً في حنايا الروح ويأبى أن يغادرها؟
وكثيراً ما نسمع عن كتّاب احتفوا كثيراً بنتاجهم الأول، ووجدوا فيه بدايةً لافتة، ولكن بعد مرور الوقت ونضوج تجاربهم في الحياة خبا حماسهم له، وتمنّوا لو عاد بهم الزمان أن يعيدوا تصويب الكثير من محتواه لجهة الأفكار والصياغة وحتى العناوين أيضاً.
واليوم إذ نستعيد هذه الذكريات والآراء مع بعض الكتاب والشعراء، سنقف عند آرائهم وتطلعاتهم وذكرياتهم فيما يخص كتاب سكن حنايا الروح، وكتاب خطّته أيديهم في غير ظرف وغير لحظة.
د. عبد الله الشاهر يقول:
الطفولة .. تؤسس
بداية علينا أن نعترف بأن» شام بكور» الطفلة ابنة السبع سنوات من العمر كشفت عجزنا وتراجعنا وهي التي فرضت فوزها في تحدي القراءة بجدارة ومهارة واقتدار، أقول هذا وأنا يغمرني فخر بهذه الطفلة التي أيقظت فينا شهوة القراءة، وأعادت لذواتنا البحث عن رغبة الفوز والانتصار.
أعادني فوزها إلى السنين الأولى من حياتي، كنت في السنة العاشرة من عمري، عندما اشتريت أول كتاب في حياتي وكان الكتاب» طرزان في الأدغال» اشتريته ب 25 قرشاً، أحببته وقرأته أكثر من مرة، وما زلت إلى يومي هذا أذكر أحداث الكتاب، بعدها تجسد الكتاب فيلما، وكنت أستبق أحداث الفيلم لأعلم من معي ماذا سيجري معه، والكتاب كان فاتحة علاقتي بالقراءة، حيث استمرت صداقتي بالكتاب بمختلف أجناسه ومواضيعه.
وأضاف د. الشاهر: أما أول كتاب ألفته هو كتاب» البعد الاجتماعي للحب العذري» والكتاب جاء صدى لقراءاتي عن العذريين والتي شعرت من خلالها بأن العذريين الذين لازمهم الحب، لابد من شيء خاص بهم حتى وصلوا إلى مثل هذه الحالة واشتهروا بها، فكان الكتاب دراسة اجتماعية فلسفية عن الحالة العذرية، وقد أصدرت الكتاب عام 1990، وتم طبعه عدة مرات، ولايزال هذا الكتاب مطلوباً ..
كلّ التحية لمن أثار فينا هاجس القراءة والكتابة، وكلّ الحبّ لشامنا الشامخة، الطفلة الطفرة، أملنا في كلّ أطفالنا أن يحذوا حذو شام.
ويقول الأديب والشاعر حسام المقداد:
فصول جديدة يرسمها القدر
مثلي، مثل أقراني وأبناء جيلي، كنت مولعاً بالألغاز وقصص أجاثا كريستي والروايات العالمية» أحدب نوتردام، الشيخ والبحر، ولمن تقرع الأجراس، وذهب مع الريح» وغيرها، إضافة إلى دواوين الشعراء العرب مما كانت تلقيه مكتبات الرصيف أمام عيوننا، ويسمح لنا مصروفنا اليومي بشرائه.
لكن الكتاب الأول الذي قرأته وحرصت على مراجعته أكثر من مرة، كتاب» المستطرف من كلّ فن مستظرف» للأبشيهي.
ذلك الكتاب الذي يفتح الذاكرة على قصص لابدّ للمهتم أن يذهب إليها في قراءات جديدة، هذا الكتاب كان طريقي إلى حبّ الأدب واقتناص كنوز أدبية جميلة تركت أثرها بي فيما بعد، على الرغم من كثير مدسوس أو مختلق فيه كقصص وضعت للطرافة والإضحاك دون التثبت من الخبر والتماس صحته.
أما عن أول مؤلف لي رأى النور فهي المجموعة القصصية» ليست قصة تتبعها قصص» عن دار التقوى بدمشق عام 2007، وكنت راضياً وقت كتابتها عما بها، لأنها تمثل تجربتي الحياتية في الاغتراب والبعد عن الوطن والأحبة ولواعج الحنين التي كانت تتلاعب بروحي، حتى أضعفت قلبي حقيقة، وأنهكت شريان الحياة فيه، ولو أتيح لي إعادة تلك المجموعات، لأضفت لغلافها صورة امرأة رغم غيابها، لكنها ستبقى في ذاكرتي حتى الموت» أمي» وسأدس بين النصوص بعض وصايا تسكنني وتعيدني إلى حقيقتي لرجل غادر الحياة دون أن أحظى بتقبيله وحمل نعشه» أبي» وسأكتب العنوان من جديد» ليست قصة تسبقها قصص».
الشاعر منير خلف يقول:
أبحث عن لحظة الدهشة
أول ما قرأته في عالم الأدب هو كتاب» ممو زين» للدكتور محمد سعيد البوطي- رحمه الله- وممو زين، قصة حب نبت في الأرض، وأينع في السماء، وهي ملحمة شعرية كردية لأمير شعراء الأكراد أحمد خاني، ترجمها إلى العربية وصاغ بنيانها القصصي الدكتور البوطي رحمه الله.
أتذكر معالم القصة المشوقة والمؤلمة في آن، تلك المعالم التي شكلت ذاكرة الروح، وما تزال تلعب دورا مهما في سكنات الكتابة وحركاتها، كونها البصمة الأولى في روزنامة القلب وهي تفتح شهيتها للتعرف إلى المزيد.
أما مجموعتي الشعرية الأولى فكانت بعنوان» غيار على نوافذ الروح» الصادرة عن دار الحصاد عام 1995، ولو تيسر لي أن أعيد طباعتها، لعدلت بعض التراكيب التي ربما لم تعد تفاجىء حالة الظمأ التي تتلهف ساكنوها بإزاحة السراب عن مرأى الحقيقة.
وبين الأديب حسام خضور بالقول:
القائمة طويلة
حقاً، لا أذكر أول كتاب قرأته باختياري، أي اشتريته وقرأته، ما أذكره جيداً أنني قرأت كثيراً من خارج المقرر المدرسي منذ سنواتي الأولى، ربما كتب مدرسية ملغاة، كان أبي يشتريها لاستخدامها في عمله.
ولم توجد مكتبة في المدرسة، ولم يكن في البلدة مكتبة، لكن خدمات المركز الثقافي في اللاذقية كانت تصل إلى الأرياف، وكانت تتعامل مع المخاتير لتوصيل الكتاب لمن يرغب بالقراءة.
تضمنت قراءاتي الأولى النحو والشعر والقصة والعلوم الإنسانية، وطبيعي أن أكون قد قرأت كتب جبران ونعيمة والمنفلوطي، لتوفرها لدى الكثيرين.
أما الكتاب الأول الذي ألفته فهو رواية بعنوان:» المرفأ امرأة» رواية فازت بجائزة حنا مينة في دورة 2019 لكنها لم تجد طريقها إلى النشر، لأنها كما قالوا» لا تتوافق مع المعايير الثقافية الجنسية العامة».
ليس لدي نية بإعادة النظر فيها، وأنا على يقين بأنها ستجد طريقها إلى القارىء، لأنه لا توجد معايير جنسية عامة معلنة.
لست من الكتاب الذين يشعرون بأنهم تسرعوا في دفع عملهم إلى النشر، وأنه لو فعل كذا لكان أفضل، وأنا أرى أن علي أن أكتب كتاباً جديداً، وهذا أفضل وأكثر جدوى، إنه يوفر فرصة جيدة لقول ما كان يمكن أن يقال في كتاب سابق، ما أكثر الأشياء التي يسابق الكاتب الزمن ليكتبها، وقائمته لما يجب أن يكتب، تزداد كلّ يوم يمضي، أنا من الناس الذين لايتطلعون وراءهم.
العدد 1121 – 22-11-2022