ثورة اون لاين: بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم
أمضى السوريون في الخارج يوماً مشهوداً، لن يكتفي بحجز صفحاته في دفاتر التاريخ، بل سيدفع نحو رسم حالة جديدة من تداعيات المشهد والحسابات السياسية القائمة على تخوم ذاكرة كادت تغلق مساحة الاستيعاب في داخلها، بعد مرحلة من الاستباحة الإعلامية والسياسية والدبلوماسية.
في يوميات السوريين القادمة لن تكون المقدمات الاستهلالية ذاتها، ولن تكون الانطباعات الأولية هي نفسها، بدليل أن المشاهد التي كرّسها السوريون أمام السفارات السورية يصعب على اليوميات أن تكون خارج السياق الذي خطته مواقفهم والطوابير الممتدة أمام تلك السفارات ولساعات طويلة بعد أن امتدت أرتال حضورهم في الشوارع الموصلة إلى السفارات.
في القراءة الوطنية، لا نعتقد أن هناك مفاجآت بالمعنى الفعلي للكلمة، لأن السوريين الذين صمدوا على مدى قرابة أربعين شهراً، لم يعد هناك ما يحول دون أن يكملوا الطريق الذي بدؤوه بتضحياتهم، لكنها تحمل في التوقيت والطريقة والأسلوب رسائل متعددة المستويات، ولا تكتفي بما تمليه اللحظة مع فوارقها الزمنية والمكانية، بل تمتد في عمق الاصطفاف السياسي على ضفتي الحدث وموقعه في سياق التزامن مع مجريات الوضع الميداني.
أما في القراءة السياسية، فالأمر يتعدى الاستدلال من خلال الأرقام، ويصل مستوى الاستبيان المسبق لحالة غير مدرجة في الحسابات، ولا هي مسجلة في البيانات السياسية أو شبه السياسية، على وقع ما أحدثته من مشاهد في شوارع العواصم العربية والعالمية، وهي تتحدى كل الظروف والصعوبات، وتتخطى المناخ السياسي، فيما يشبه هجوماً مباغتاً عكسياً باتجاه استعادة البوصلة السياسية والإعلامية لاتجاهها الصحيح.
قد لا تكون المقارنة قادرة على ملاحقة كل الحقائق التي تتدحرج على وقع الأداء السوري اللافت والمفاجئ في حدود اتساعه، لكن بما يتوافر ومن خلال ما هو متاح ربما تصلح للمحاججة في البيانات المسبقة أو المعدة، وتصلح أيضاً لدحض المزاعم والافتراءات والأكاذيب، والأهم لسحب البساط انتخابياً من تحت أقدام أرادت أن تتمترس خلف مقولات زائفة وممجوجة سادت في الخطاب الغربي .. واستطالت بشكل مرضي في كثير من الخطاب العربي.
لا يتسع المجال للتوقف التفصيلي عند ما ترسمه تلك المشاهد من ارتدادات في السياسة والإعلام والدبلوماسية، لأن الطريق لا يزال يتحضر لاستيعاب المزيد من تراكم الرسائل الموقعة بإرادة سورية, ومرسلة بالبريد العاجل إلى كل العالم، حيث في تلك العواصم .. لا توجد وزارة الداخلية السورية، ولا وزارة الإعلام ولا غيرها, وما تنقله شاشات التلفزيون العالمية حتى تلك التي خرجت من سياق تبعيتها لا تأخذ إذن السلطات السورية, ولا تخضع للمراقبة المسبقة أو اللاحقة أو مابعد بعد اللاحقة، ولا هي مدفوعة بحسابات حزبية أو تكتلات مناطقية، بل هي دامغة بهوية سورية تمثل كل الجغرافيا السورية.
وفي تلك العواصم لا توجد مؤسسات حكومية سورية، ولا موظفين ولا أي شيء له علاقة أو يمكن أن يكون له صلة بأي حالة ضغط مهما يكن العنوان أو الطريق أو الاتجاه، وفيها أيضاً لم تقدم التسهيلات ولا المغريات، ولا الحوافز، فقط كل ما توافر كان إرادة لمواطنين سوريين يدركون معنى المشاركة وأهميتها، وهم محمولون بحب الوطن ومشغولون بقضاياه، ومهتمون بخلاصه من الإرهاب.. مؤمنون بسيادته وقراره الوطني النابع من إرادة السوريين، والأكثر من ذلك أنهم كانوا مدفوعين بالرغبة في التعبير عن رأيهم، واستعدادهم للمساهمة في أي خطوة يمكن لها أن تضع حداً لما تعانيه سورية، لذلك قرروا الاحتشاد أمام السفارات السورية للمشاركة في الانتخابات.
غير أن ما هو أبعد من ذلك، وضمن القراءة السياسية ذاتها، أن تلك المشاهد تقدم الإجابة على كثير من الأسئلة الحائرة، وتقدم إجابتها دون تردد على ما تم تأجيله أو على ما صعب تفسيره في حينه، حين عمدت الكثير من الدول الغربية إلى منع السوريين من المشاركة في الانتخابات، ولماذا حذت بعض الدول العربية ولو متأخرة حذوها بعد أن أصابها داء الهلع ذاته، وعدوى الخوف والقلق عينه، ولماذا افتعلت الأردن مشكلة مع السفير السوري، ولماذا حاولت وتحاول دول أخرى التضييق، وقد تفسر أيضاً لماذا استخدم الغاز المسيل للدموع في بيروت ضد سوريين جاؤوا من خيم العوز ومن مناطق الصفيح وأكواخ العمل ليشاركوا.. !!!
a.ka667@yahoo.com