الملحق الثقافي- دلال ابراهيم:
في أحد أعدادها الصادرة خلال الشهر الجاري، تساءلت مجلة Le point الفرنسية في عنوان لها ( هل كان ليوناردو دافنشي جاسوساً فرنسياً ؟ ) وكان قبلها بأعوام قليلة نشب خلاف فرنسي – إيطالي تحول إلى أزمة دبلوماسية حقيقية بين البلدين حول جنسية الفنان، خلال التحضير لاحتفالية ستقام لمدة عام كامل في أوروبا بمناسبة مرور خمسة قرون على رحيل الفنان.. وكان مذيع فرنسي قد اعتبر دافنشي من نوابغ فرنسا.
مهما كان موضوع الجدل المحتدم حول قضية ما لا يمكن أن نقول عنه إنه عقيم وعديم الفائدة، بل على العكس من ذلك، إن الخلافات الأدبية في الساحات العامة هي دليل صحة المجتمع الديمقراطي .. ولكن منذ وقت قريب، أثارت تطورات الجدل المبتذل في وسائل الإعلام، المدفوعة بشدة نحو هذا الدرك من قبل المواقع الالكترونية والبلوغرز حماس لا طائل منه .. جعجعة من دون طحين .. ومن هذا القبيل، هناك على سبيل المثال : الجدل حول الصورة المنشورة في وسائل الإعلام للشاعر رامبو والتي تم اكتشافها مؤخراً، حيث احتدمت حولها نقاشات، كانت كافية لتأليف مسلسل عنها، فقط الهدف منها تأكيد وتوضيح هذا السر الدفين : هل حقاً الشخص المشورب على يمين الصورة المأخوذة عام 1880في عدن هي لرامبو ؟ ولا يكاد يمضي يوم إلا ويطلع علينا خبير آخر يناقضه تماماً، أو يأتي بائع كتب قديمة يؤكد على الصورة فينفيها خبير مخطوطات آخر.. بالطبع تأخذ الصورة الباحثين إلى معرفة أصلها وفصلها وتاريخها والمقهى اليمني الذي التقطت به والأشخاص الذين اجتمع معهم الشاعر، وهذا مدخل إلى كتاب عن الشاعر، وكأن كل ما يُكتشف صغر أم كبر هو مقدس ويحمل أفكاراً جديدة في زمن الضحالة والإفلاس .. ومع خالص احترامنا لصاحب (فصل في الجحيم ) , لقد باتت حياته أشبه بحكاية لا تنتهي فصولها، وأقرب إلى الوهم يغذي خيال الكثيرين، إلى حد أن الكاتب ايتامبل أصدر كتاباً عنوانه (أساطير رامبو ) أراد به أن يقول أن أسطورة صاحب ( المركب السكران ) لم تكن واحدة بل متعددة، لكنها كلها كانت مصطنعة .. حتى صوره القليلة كانت حجة لتأليف بعض الكتب، حتى لدى العثور على نص نادر وسخيف لرامبو، جرى الحديث عنه أكثر مما تحدثوا عن أعماله الرائعة بمجملها أو عن الإلياذة لهوميروس .. وقد وضع لوفرير، مكتشف الصورة في كتابه الصادر حديثاً في فرنسا بعنوان ( رسوم أرتور رامبو ) في متناول القارىء وثائق بقيت حتى الآن مجهولة، من بينها لوحات وصور للشاعر .. ويصنف مراقبون كثيرون لوحات الشاعر في خانة الإخفاق والإخفاق في الرسم .. ومهما يكن، فإن هذه اللوحات الأصلية منها والزائفة تحولت إلى ما يشبه الأسطورة وللأسف كل ذلك لن يضيف للفكر والمعرفة شيئاً، ولا يضع ولو مدماكاً صغيراً في بناء معرفتنا لحياة رامبو ولا لعبقريته ولا لقيمة أعماله.
وكذلك هناك البحث الدقيق في ألبومات مصور المشاهير فرانسوا ماري بانييه أملاً في العثور على اعتراف بسيط منه في القضية التي أثيرت منذ فترة والمعروفة بقضية بيتانكور، صاحبة مستحضرات رويال، التي شحذت أقلام وخيال كتّاب، نظراً لأن استخدام الخيال هو سيرة ذاتية، وحينما تم العثور في رواية ( الزمن المركب ) على معلومة عن انهيار عائلة من كبار الأثرياء بسبب انحراف شاب وسيم تائه، كان الاكتشاف المظفر لدى أولئك الكتّاب لتأليف روايات تحتل الواجهات الأدبية، ويخشى أن تتناول في الأعوام المقبلة أطروحات الدكتوراه مواضيع ذات صلة بالفكر الإتجاري الفني والابتذال الأدبي في ظل الجمهورية الخامسة الموشكة على الانتهاء، أو الجدل الذي أثاره كتاب الممثلة الراحلة مارلين مونرو ( شظايا ) الصادر منذ فترة قصيرة، وكان السجال الدائر يتركز حول موضوع : هل كانت مونرو في الحقيقة مفكرة رزينة وقارئة نهمة وكاتبة مكبوتة .. وعندما ظهر التحقيق الصحفي عن الرئيس ساركوزي والنساء في ألبوم ساخر، أراد الرئيس الفرنسي أن يبسط من الأمر، فعلق قائلاً « ينبغي أن يُثارالجدل في كل شيء، إنه مرض فرنسي «.
العدد 1123 – 6-12-2022